الإبداع الفضائي

الإبداع الفضائي (https://www.fadaeyat.co/)
-   معلومات عامة ، حدث في مثل هذا اليوم (https://www.fadaeyat.co/f4/)
-   -   عين على الأرض وعين على السماء (https://www.fadaeyat.co/fadaeyat97562/)

*HOB* 23 ذو الحجة 1436هـ / 6-10-2015م 16:07

عين على الأرض وعين على السماء
 
المريخ ممتلئ بالمياه، هكذا أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية، خبر أثار كثيراً من الجدل والأحلام أيضاً، فكثير من البشر بدأوا يتخيلون فعلياً المستقبل في محطات فضائية تشبه تلك التي عرضتها أفلام الخيال العلمي، ولكن يبدو أن الأمور لن تسير كما يشتهون، فالعلم لم يعد يتقدم بالسرعة التي كانت عليها الأمور في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وما نراه اليوم هو تطور في التكنولوجيا أو التطبيقات العلمية، ورحلة إلى المريخ لزرع أشكال الحياة ستتطلب قفزات علمية هائلة.
https://www.fadaeyat.co/up/images/226...4132388722.jpg

أول ما سيواجه سكان المريخ هو اختلاف مفهوم الزمن، فاليوم في المريخ سيكون أطول من اليوم الأرضي لأن الكوكب يستغرق وقتاً أطول في الدوران حوله نفسه، والسنة في المريخ أطول من نظيرتها على الأرض لأن مدار المريخ حول الشمس أطول من مماثله الأرضي، كما أن المقاييس الأرضية الأخرى ستختلف كثيراً، مثلاً الوزن سيدخل في حسابات أخرى لأن الجاذبية في المريخ أقوى من الأرض، وبالتالي فخلال أجيال طويلة سيحدث تكيف ليكون البشر الذين يسكنون المريخ، إن كان يصح أن نطلق عليهم بشراً، أقصر في القامة بصورة ملموسة، كما أن ملامحهم ستضطر للتكيف مع اختلاف درجات الحرارة القصوى والدنيا.
المشكلة الكبيرة هي أن الوصول إلى المريخ وتأسيس حياة في الكوكب الأحمر سيستغرق مئات السنين، إلا في حالة تحقيق قفزة علمية هائلة مثل الانتقال الكمومي، وهي أن ينتقل الأشخاص والمعدات عبر بوابات ليجدوا أنفسهم في ثوانٍ معدودة في مكان آخر يبعد آلاف أو ربما ملايين الكيلومترات، هذا ممكن نظرياً، ولكن تطبيقه علمياً يبدو بعيداً وبعيداً جداً، ولذلك فإن الفترة التي تلزم لوضع مجموعة من الرواد على المريخ وتأهيلهم للحياة قد تكون أطول كثيراً من الفترة التي ستتحملها الأرض مع نزق الإنسان المستمر في تلويثها وتدمير طاقات الحياة فيها، وبالتالي سيخسر الإنسان أرضه دون أن يكسب المريخ!
إن أقصى ما يمكن أن نطمح له من المريخ هو أن يكون كوكباً يمكنه أن يمد الأرض ببعض الموارد التي بدأت الإنسانية في استنزافها، وما زالت معلوماتنا بسيطة جداً حول ثروات المريخ، وتحتاج إلى كثير وكثير من الوقت للتعرف عليها، عدا بالطبع عن الاستثمار في استقدامها للأرض.
لا يوجد ما يمنع نظرياً من وجود أشكال للحياة على كواكب أخرى، وإذا كان العالم مصدوماً اليوم بوجود المياه على المريخ، فربما ستكون صدمته في كواكب أخرى تتفوق على المريخ في إمكانيات الحياة فيها، ولكن الاستثمارات الهائلة التي تصرف على هذه الرحلات البعيدة يجب أن تتذكر أيضاً أن الاستثمار الأهم هو في الأرض، وأن المشكلة هي أساساً في الإنسان وليست في محيطه الحيوي، فالإنسان قام بتخريب الكوكب خلال قرنين من الزمن بصورة جعلته يدخل في مرحلة الشيخوخة المبكرة، وبدلاً من المواجهة الشجاعة لحالة الإنسان البائسة في كوكبه، فإن أصحاب السلطة والنفوذ اليوم يفكرون في طوق النجاة الذي يمكن أن يحمله هو ونسله إلى المستقبل.
قبل سنوات كان فيلم 2012، وهو تجاري من الدرجة الأولى، يعرض فكرة عميقة حول إصرار أصحاب السلطة والنفوذ على حجز أماكنهم في سفن النجاة من الطوفان الجديد للأرض، وهم نسبة لا تتعدى النصف بالمائة من سكان الأرض، وربما كانت المركبات المتخصصة في نقل البشر إلى المريخ اضطرارياً في حالة الكارثة الأرضية تستوعب أعداداً قليلة جداً ربما لن يكون أي منها ممن يتحدثون ويقرأون اليوم بالعربية.
قبل أن نتطلع إلى المريخ يجب علينا أن ننظر تحت أقدامنا للأرض، وأن نبادلها المحبة غير المشروطة التي منحتنا على امتداد أزمنة طويلة، ذلك هو العمل الأخلاقي المتوجب علينا قبل أن نغرق في أحلام الخيال العلمي.




الساعة الآن » 18:50.

Powered by vBulletin
.Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd