الإبداع الفضائي

الإبداع الفضائي (https://www.fadaeyat.co/)
-   أخبار الشرق الأوسط والعالم (https://www.fadaeyat.co/f218/)
-   -   الاردن ليس في خطر (https://www.fadaeyat.co/fadaeyat99834/)

New Sat 8 صفر 1437هـ / 20-11-2015م 18:32

الاردن ليس في خطر
 
د. ياسين رواشدة يكتب الاردن ليس في خطر
من بين الكثير من الـ"محلليين" والكتاب الذين يطلوا برؤوسهم من وقت إلى آخر ليقولوا لنا كيف سيكون يومنا وعما اذا كانت الشمس ستطل في يوم الغد من الصباح او من رابعة النهار.
ومن اولئك “الكيميائيين” لبيب قمحاوي الذي سطر مقالا طويلا عريضا بدأه بخدعة تاريخية وهي ان مصير وبقاء الدولة الاردنية منذ بدايتها كإمارة ولاحقا كمملكة كان مرتبطا بالقضية الفلسطينية..


https://www.fadaeyat.co/vb/storeimg/i...033552_551.jpg
حقائق التاريخ والجغرافيا تقول انه رغم الارتباط والعلاقة الوثيقة بين الشعبين والكيانين الاردني والفلسطيني الا ان وجود وقيام الدولة الاردنية منذ عام 1921 كان خيارا مستقلا وان تطور هذا الكيان ليصل مستوى المملكة المستقلة في ايار 1946 كان نتيجة نضال واصرار الاردنيين على تعزيز كيانهم ونيل استقلالهم وتعزيز دولتهم ولو كان مرتبطا وجوديا بمصير القضية الفلسطينية لكان قد حصل العكس لان القضية الفلسطينية كانت تتراجع مع ذلك الزمن وكانت مرحلتها الحرجة تلك في العقد الرابع تماما لذلك فكان يفترض حسب هذا "المحلل" ان تضعف الدولة وتتهاوى تمشيا مع ضعف القضية الفلسطينية والتي شهدت المرحلة السوداء من تاريخها في اواسط ايار عام 1948 بقيام دولة اسرائيل. ومعلوم الدور المشرف للقوات الاردنية التي دخلت فلسطين بطلب اهلها وبقرار عربي جماعي وكانت هي الوحيدة التي حافظت واحتفظت بالمقدسات قياسا بالقوات العربية الاخرى التي كانت اكثر عدة وعددا لكن انجازاتها على ارض فلسطين كانت متواضعة جدا.

إن قوة الدولة الاردنية بشعبها وجيشها قد تجلت بكفاءة عالية في حرب فلسطين حيث سطر الجيش العربي الاردني صفحات البطولة والفداء محتفظا ومدافعا عن اقدس المقدسات واهم المدن الفلسطينية من نابلس شمالا الى الخليل جنوبا وكان هذا الجيش والذي كانت قواته لا تتجاوز الخمسة آلاف عسكري قد حافظ على بقعة جغرافية الاكثر كثافة سكانية والاكثر قداسة عند المسلمين والمسيحيين.

الحقائق تؤكد ان الدولة الاردنية كانت قوتها تتطور وتتعاظم بقدراتها وكفاءتها الداخلية قبل كل شيء وبغض النظر عن العوامل الخارجية ومصير قضية فلسطين. اذ انه يفترض حسب شطحات خيال الكاتب ان تتقسم او تنهار الدولة الاردنية مع انهيار وتقسيم فلسطين.

صحيح ان قضية فلسطين لها آثارها السلبية على الاردن وعلى العرب جميعا وان ضياع فلسطين وتأسيس دولة اسرائيل قد كشف خاصرة الاردن الاقوى امام اسرائيل. لكنه قدرة الاردن على الصمود والنمو كانت اقوى من تحديات الجعرافيا.

ويقول "المحلل" إن الاردن لا يملك مقدرات للعيش والحياة بدون العالم الخارجي والدعم الخارجي والدولي لانه "لا يملك النفط والغاز والماء" ونقول له انه رغم اهمية هذه الكنوز الا ان غالبية دول العالم لا تملك لا النفط ولا الغاز، وان عدداً كبيراً منها شحيح في الموارد الطبيعية لكن تلك الدول متطورة ومتفوقة وكاملة السيادة.. ولا نريد ان نذهب بعيدا فدولة مثل تونس او حتى سويسرا او النمسا او هنغاريا او جمهورية التشيك او البرتغال وهذه دول تتشابه في المساحة او عدد السكان مع الاردن ولا يوجد فيها لا نفط ولا غاز وبعضها شحيح في المياه العذبة لكنها دول تعيش على السياحة بانواعها وعلى الخدمات وعلى التجارة اي على كفاءة اليد العاملة فيها.

ان المبالغة في ربط مصاعب الاقتصاد الاردني بندرة الموارد الطبيعية استخدمته وتستخدمه الكثير من الحكومات ودوائر السياسية في البلاد؛ مرة لتبرير عجزها ومرات كحجة لطلب العون الخارجي اكثر مما هي في واقع الامر رغم اعترافنا باننا في الاردن بامس الحاجة للموارد الطبيعية لتخفف عناء البحث المتواصل عن البدائل والتي هي صعبة المنال خاصة على دوائر السياسة والاقتصاد الكسولة.

ويأخذ " المحلل" الكيماوي حجة اخرى للغمز من قناة الاردن وهي تصريح معروف لوزيرة الخارجية الامريكية السابقة – مرشحة الرئاسة هيلاري كلينتون تعرضت فيه ضمن حديثها عن منطقة الشرق الاوسط وبان "السلام النهائي للصراع الفلسطيني الاسرائيلي ربما لن يتحقق حتى نعرف ماذا سيحصل في سوريا وعما اذا كان ذلك سيجعل الاردن مستقرا".

هذا التصريح الذي جاء من شخصية غير حكومية وبعيدة عن القرار كون الكلام جاء ضمن حملة الانتخابات الامريكية الذي يقال فيه عادة الكثير من اللغط الا ان هذا الكلام اخذ بعض الدوائر اكبر من حجمه وقيمته. وحتى لو اخذنا الكلام بحرفيته وبانه من شخص مسؤول فانه لا يعني ان مستقبل الاردن على كف عفريت كما استخلص "المحلل" اياه. ذلك ان الوضع في سوريا سيؤثر بالتاكيد على الاردن وعلى الاستقرار فيه وسيؤثر في فلسطين وفي اسرائيل و في المنطقة كلها. لكن خصوم الدولة الاردنية اعطوا هذا التصريح ان لم نقل اضافوا عليه الكثير من "البهارات" وينفخوا فيه ليظهر كما لو ان مستقبل الاردن ووجوده غامض وغير واضح المعالم.

ويعطي الكاتب الانطباع بانه يعرف اللغة الانجليزية او انه خبير و يعرف السياسة الامريكية من خلال نقلة نصوصا في اصلها الانجليزي وهو ربما لا يعرف ان اي طالب في الصفوف الاعدادية في اي مدرسة خاصة في عمان يعرف الانجليزية مثله اما انه يقول انه يعرف السياسة الامريكية فاريد ان اقول له انني اعرف عشر شخصيات في الاردن تستطيع ان تشرب القهوة مع السيدة كلينتون ومن هم في مستواها كل مرة يزورون واشنطن رسميا او شخصيا بل انا العبد الفقير اعرف شخصيا ويعرفني العشرات من الرجال المهمين و من بينهم السيدة كلينتون ذاتها ومن غيرهم في الادارة الامريكية سواء وزارة الخارجية أوالكونغرس أو مؤسسات البحث التي تزود الادارة بالمشورة.

وكوني احد افراد الطاقم الذي يعمل في حملة السيدة هيلاري فقد سألت شخصيا حينها لاستفسر عن هذا التصريح فقيل لي ان حديث السيدة هيلاري جاء في معرض الكلام عن سوريا لان استمرار الازمة فيها له انعكاسات سلبية على فرص تحقيق السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين وان التوتر في سوريا سيهدد الاستقرار في الاقليم كله بما فيه الاردن الجار الاهم لفلسطين ولسوريا.

لكن "المحلل" يسند حجته هذه بمقال لكاتب صحفي امريكي يتحدث فيه عن المنطقة، يستخلص منه ان امريكا تشكك في امكانات ديمومة النظام في الاردن!. وانا اقول ان هناك العديد من المقالات في المقابل والتي تقول عكس ذلك تماما كما ان هناك تصريحات لمسؤولين في الادارة الامريكية سواء من البيت الابيض او من وزارة الخارجية ممن يضعون الاردن على رأس الاهتمامات الامريكية.
وما تصريح السفيرة الامريكية مؤخرا والتي تقول فيه دون لبس او غموض ان الاردن على راس حلفاء امريكا في المنطقة وان تعزيز قوة وصلابة الاردن هي اولوية امريكية.

ماذا بعد ذلك من قول لهذا "المحلل" الذي يستشف ويضيف ويخبز ويعجن في امور لا يعرفها جيدا فالسياسة الامريكية لا تتغير او تصاغ بشكل ارتجالي بل هناك عوامل وشروط تعتمد على معطيات ربما لا يعرفها" محللنا العبقري.

ومن اشكال الدس والتزوير ان الكاتب يصل به الامر في هجومه على الاردن انه يصفه" خط الدفاع الاول عن اسرائيل" من العرب الواقعين خلفه والعكس هو الذي يثبته التاريخ فطالما كان الاردن ولا يزال خط الدفاع الاول للعرب امام اسرائيل. ومن يقرأ التاريخ ويفهمه يدرك بوضوح تام هذا الدور والذي دفع الاردن بسببه الولد والمال.

ويزيد لبيب قمحاوي في اساءته للاردن بان الاردن "يقتات على الموائد المالية والسياسية للدول الاخرى..." اقول انه اذا كان هو كما يبدو حصل على فتات ليكتب ما كتب عن الاردن فان هذا البلد العربي العريق لا يقتات على موائد احد، كبيرا كان او صغيرا.. الاردن له تحالفاته وصداقاته وله دوره الاقليمي.

الاردن يسعى للاستثمارات ويلح عليها وليس في ذلك حرج ولا عيب ان يطلب ويلح في اخذ القروض الميسرة من الاصدقاء والاشقاء فالدول العظمى تسعى وترجو الاستثمارات وتقيم الوساطات للحصول عليها فما بالك بالاردن الذي لم ننكر يوما ما انه " محدود " الامكانات مثله مثل الكثير الكثير من دول العالم لكنه ليس "عديم "الامكانات كما يتمنى ويروج القمحاوي.

ويعيب "المحلل" ان عوامل القوة الذاتية الاردنية " شحيحة او مفقودة" وبان عوامل قوة الاردن هي" المستمده من ضعف او خلافات الغير" ونقول له بان الاردن كان ومنذ البداية عاملا على وحدة الصف العربي وكان الوسيط في كل الخلافات العربية وكانت السياسة الخارجية ولا تزال تسعى لربط ووحدة العرب الاشقاء وبل على العكس فان الاردن كان يعاني ويتاثر سلبا بالخلافات العربية والانشطارات العربية ليس فقط من منطلق المصلحة البراغماتية بل لان فلسفة الدولة الاردنية قامت على تراث الثورة العربية الكبرى الذي كان اول شعاراتها - وحدة العرب.

ويزعم هذا المحلل العبقري أنه "يعتقد ان هناك توجهاً" لدى "بعض" اوساط صناع القرار في واشنطن بان الاردن في طريقه ليصبح "دولة فاشلة " ويكتبها بالانجليزية ليدلنا على عبقريته في معرفة معنى هذه الكلمة و التي تستطيع جدتي عبر "العم غوغل " ان تستخرجها بكفاءة عالية.

ويشرح هذا "الفشل" للدولة بانه نابع من ان الولاء في الاردن ليس للبلد بل للنظام ويريد ان يقول لنا ان النظام والسلطة و الدولة في الاردن هي اشياء متناقضة او متخاصمة مع بعضها وليس لها ذات المصالح. بل وصل به الخيال ان يزعم ان "الحرس القديم والجديد" من مستشاري الملك لا يؤدون المشورة الصحيحة.. ونحن نطمانه ان جلالة الملك محاط برجال مخلصين يؤدون واجباتهم التي يعهد جلالته لهم بها وجلالته يقدر مصلحة البلد بهمة عالية ويعرف ويقيم رجاله ومواقعهم.

اننا نعلم اكثر من هذا "المحلل" ان الديوان الملكي العامر مفتوح لابناء الاردن المخلصين وان صوتهم يصل لجلالته. وان جلالته يعرف شعبه جيدا ويدرك احتياجاته وهمومه.

اما عن الاصلاح فهو مطلب عام جاء بمبادرة ملكية تفاعلت مع المطالب الشعبية وهناك اجماع حول ذلك وان الطموح بان تتسارع خطى الاصلاح اكثر واعمق هو مطلب طبيعي يحتاج قبل كل شيء التغلب على البيروقراطية وعلى عقلية الجمود والخوف من التغيير داخل مؤسسات الدولة التقليدية ولكن هناك بالطبع اجتهادات في هذا السياق فمن يريد الاصلاح السريع ومن يريد البطيء خوفا من الهزات لكن الدولة تسير في هذا الاتجاه ولن تتراجع فيه.

ويزيد لبيب قمحاوي في لغطه بان الدولة الاردنية "تجلس على كف عفريت" وان هذا "العفريت" هو بعض كبار المسؤولين الذين "هدفهم ارضاء صاحب القرار دون تقديم المشورة الصحيحة" وهذه محاولة خبيثة من القمحاوي لان يحاول وضع اسفين بين مؤسسات الحكم ويعطي الانطباع بان الفساد يستشري في جميع انحاء واجهزة الدولة..

صحيح ان هناك فساداً وانه في مستويات وجوانب كثيرة وعديدة لكنه ليس بذات الحجم الذي يجعل من الاردن دولة فاشلة وتجلس "على كف عفريت".

بل يزعم ان هناك تناقضاً بين مصالح وحاجات الشعب وبين حاجات ومصالح النظام وهذه دعوة اخرى للفتنة تقوم على لي عنق الحقيقة وتزوير الواقع. لاننا ندرك ببساطة ان النظام الاردني ليس ولم يكون في تناقض مع الشعب الاردني لا لان مؤسسات العمل الديموقراطي لا تسمح بذلك بل لطبيعة وماهية وفلسفة الحكم في الاردن التي تقوم على اساس احترام وتحسس احتياجات الشعب.

اما الحديث عن النفاق السياسي في الاردن واليي يشير له الكاتب المذكور فهذا امر صحيح ومكروه وظاهرة غير حميده لكن تعزيز العمل الديموقراطي والانفتاح المجتمعي والوعي الوطني سيضعفه الى حد كبير.

ويستنتج هذا " المحلل " القمحاوي بان مستقبل الاردن على كف عفريت لسبب اخر وهو "غموض" الموقف الرسمي الاردني من سوريا.
ونطمئن الاردنيين قبل "القمحاوي" بان موقف الاردن واضح وهو انه مع سوريا الدولة والشعب وان مصير سوريا يجب ان يقرره السوريون وان الاردن معهم كان وسيظل يستقبل ابناءهم على اراضيه ويتقاسم همومهم. اما ان الاردن لايريد ان يزيد الطين بلة ولا يريد خوض معارك الغير في سوريا فهذا ليس غموضاً بل حرص على سوريا الشقيقة والجار لاننا نسعى لاطفاء الحرائق لا زيادتها اشتعالا خاصة انها على حدودنا وتصيب اشقاءنا..
ونقول لقمحاوي الافضل لك بدل " تحليل " الوضع في الاردن الذي يبدو انك لا تعرفه اذهب " لتحلل" اشياء اخرى و في اماكن اخرى واسرح بخيالك بعيدا...
ترى الاردن بخير..


* دبلوماسي ومدير مركز " امة" للدراسات الاورمتوسطية


الساعة الآن » 21:26.

Powered by vBulletin
.Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd