فضائيات| مكتبة الدريم بوكس | مركز رفع الصور | فضائيات نيوز
تعليم الفوتوشوب



العودة   الإبداع الفضائي > >

المواضيع الإسلامية قسم يهتم بالدين الإسلامي على منهج أهل السنة والجماعة ويمنع إهانة بقية المذاهب

العبادة في الإسلام.. آفاقها وأهدافها والغاية منها

جاء في الأثر: "يا عبادي إني ما خلقتكم لأستأنس بكم من وحشة، ولا لأستكثر بكم من قلة، ولا لأستعين بكم على دفع أمر عجزتُ عن دفعه، ولكني خلقتكم لتعبدوني

 
LinkBack أدوات الموضوع
  #1  
عضو نشيط

 

افتراضي العبادة في الإسلام.. آفاقها وأهدافها والغاية منها

جاء في الأثر:

"يا عبادي إني ما خلقتكم لأستأنس بكم من وحشة، ولا لأستكثر بكم من قلة، ولا لأستعين بكم على دفع أمر عجزتُ عن دفعه، ولكني خلقتكم لتعبدوني طويلاً، وتذكروني كثيرًا، وتسبحوني بكرةً وأصيلاً".



الإنسان بين أمرين لا ثالثَ لهما، إما أن يعبد الله وحده، فهو على الطريق المستقيم، وإما أن يعبد الشيطان، يعبد عدوه اللدود، الذي يقوده إلى المهالك، والضياع والبوار.



قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ(60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)﴾ (يس).



معنى العبادة ومدلولها أوسع وأشمل من مجرد إقامة الشعائر، وهي تحتوي على أمرين:

الأول: استقرار معنى العبودية لله في النفس، فهناك عابد ومعبود، رب يأمر وعبد ينفذ، وليس وراء ذلك شيء، قال تعالى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ(51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ(52)﴾ (النحل).



الثاني: من معاني العبادة: التوجه الدائم إلى الله بكل عملٍ في الحياة، التوجه إلى الله مع التجرد من أي شعور آخر سوى العبودية لله، وبهذين الأمرين يتحقق معنى العبودية، وتصبح حياة المسلم كلها عبادة وطاعة لله عز وجل، ومن هنا تتحقق الوظيفة التي خلق الإنسان والجن من أجلها قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ(56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ(57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)﴾ (الذاريات).



وحين نفهم العبادة بهذا المعنى الصحيح يشعر المسلم بأنَّ له وظيفة من قبل الحق تبارك وتعالى، جاء لينهض بها، طاعةً وعبادةً لله، لا غايةَ ولا مأربَ له من ورائها، ويجد في نفسه حلاوة الطاعة وطعم الإيمان، وعندها يكون قد حقق الغاية من وجوده، فالعمل لدعوة الناس إلى الله من أعظم العبادات، والعامل في المصنع يجود عمله لأنه عبادة، والمدرس في الفصل يبذل قصارى جهده لأنه طاعة وعبادة، وطالب العلم يبذل كل ما في طاقته حرصًا على مرضاتِ ربه، والفلاح في حقله والمجاهد في الميدان، والطبيب في عيادته، كل الأمة تسعى وتبذل أقصى طاقاتها لترقية الحياة، ولتحقيق العبودية لله.



وأعظم موقف للعبودية في الصلاة:

1- إن قلب المؤمن الصادق يجب أن يفيض في الصلاة وعند قراءة القرآن بالحمد والثناء، فيحمد أهل الحمد والثناء، ويمجد رب الأرض والسماء، حتى إذا أشرف على إياك نعبد وإياك نستعين يُعطي ربه عهدًا وموثقًا، فله وحده يصلي ويسجد، وإليه يسعى ويحفد، يرجو رحمته ويخشى عذابه، فهو المعبود بحق، ولا عبوديةَ إلا له ولا استعانةَ إلا به.


الدعاء مخ العبادة




وحيث يمر المؤمن على آية الصراط يقف متأملاً الطريقَ الطويلَ إلى الموكب العظيم الذي سار عليه، ثمَّ يبحث اليوم عن السائرين فوقه، فسيجدهم قلة ممن عصم الله ورحم، نقلب أبضارنا في بلاد المسلمين لنرى موقف أهل هذا الصراط بين الأمم، أين يقف هؤلاء؟ وعلى أي طريق؟



واعجبًا لأمر المسلمين، يسألون ربهم الهدى في كل صلاة مرات ومرات، ويطلبون منه أن يهديهم الصراط المستقيم، ثم هم يتنكبون الطريق، بل ويقف بعضهم- إما جهلاً وإما بسُوء نية- أمامَ الذين يدعون الناسَ جميعًا إلى هذا الطريق.



الصراط المستقيم أيها المسلمون- كما فسره السلف- هو الإسلام، وهو كتاب الله، وهو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره.



كيف ابتعد المسلمون عن الطريق فصاروا ذيلاً في القافلة، وكيف تنكر البعض باسم التقدم تارةً- والمدنية أخرى والتقليد مرة ثالثة- لدينهم، ما هكذا تكون أمة القرآن؟ وأبناء المجاهدين؟ ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾ (يس: 30).



2- يجب أن نستحضر عند التلاوة العبودية الكاملة لله، العبودية الحقيقية، نستحضرها شعورًا جارفًا فياضًا قويًا، بربك الذي خلقك وسواك، نستحضر عبودية الحب والاتباع لمنهج الله، فمن كان عابدًا لله محبًا له لزمه أن يتبع الرسول- صلى الله عليه وسلم- فيصدقه فيما أخبر، ويطيعه فيما أمر، ويتأسى به فيما فعل، وقد جعل الله لأهل العبودية علامات، اتباع الرسول والجهاد في سبيل الله، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (التوبة: 24).






وفي الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان: يقول الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-:"والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".



وفي الحياة نرى ما يعتري المرءوس بين يدي رئيسه وهو بشر مثله، يكون كله سمعًا لما يُلقي إليه، ووجهه وحركاته كلها تؤذن بالطاعة، وبالقبول لكل ما يُقال، ولله المثل الأعلى، فأولى بالمسلم الصادق بين يدي ربه وهو يتلو كتابه أن يكون كذلك.



3- القرآن حياة العابد وهو شفاء ورحمة للمؤمنين، فسل نفسك قبل قراءته هل هواك مع القرآن أم مع الدنيا؟ هل بينك وبين القرآن حواجز وحجاب؟



واعلم أنَّ حب المال حجاب، وحب البنين حجاب، وإعجابك بعملك حجاب، وحب الخيلاء والجاه والقوة وما شابه ذلك كلها موانع كثيفة تحول بين قلبك وبين العبودية لله، فيحب أن يحال بين القلب وبين هذه المؤثرات، إنَّ القلب لم يخلق لهذا؟ إنَّ القرآن روح، وللروح آثارها في حياة الإنسان ونموه قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ (الشورى: من الآية 52).



فيجب عليك أن تلتمس هذه الروح، وإن توجد الصلة بينها وبين قلبك، وأن تزيل الحواجز التي تفصل بين قلبك وبين القرآن.



إنَّ القرآن حبل الله المتين طرفه بيد الله، وطرفه الآخر بيد الناس، ومن هنا يجد المسلم ما يسري إلى قلبه من نور الله فيرتجف ويقشعر ثم يهدأ ويسكن قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)﴾ (الأنفال)، وقال جل شأنه: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ (الزمر: من الآية 23).



4- القرآن سلاح العابد المطيع لله به ينشئ أمة، أو يساعد على إنشائها، ومن خلاله يشيد دولة، أو يساعد على تشييدها، والأمم لا تقام بالتهريج، ولا تنهض بحركات مصطنعة، إنَّ أسلافنا أقاموا دولة ظلت تعطي ألف سنة وما زالت للآن رغم ما بها، تقدم ما نستطيع؛ لأنهم بنوها وأسسوها على تقوى من الله ورضوان، وأقاموها قبل ذلك في قلوبهم، وما أجمل ما قاله مرشدنا الهضيبي رحمه الله: "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم على أرضكم".



لقد أضاءوا الدنيا بنور الحق؛ لأنهم أضاءوا حنايا قلوبهم بشعاع القرآن، ونور العبودية لله، وكانوا مُثلاً عليًا للتحمل والصبر والبطولات مما يدهش العقول ويستولي على الألباب.



قال البخاري قال الليث: حدثني يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أسيد بن حضير- رضي الله عنه- قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة- وفرسه مربوط عنده- إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبًا منه، فأشفق أن تصيبه، فلما أخذه رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدَّث النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال: "اقرأ يا ابن حضير" قال: أشفقتُ يا رسول الله على يحيى وكان منها قريبًا فرفعت رأسي وانصرفتُ إليه فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال: "وترى ما ذاك؟" قال: لا. قال: "تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم".



5- التربية العبادية تعني العبودية الخاصة لله بإحسان توحيد الله وتعظيمه وبإحسان شعائر العبادات، وباستشعار المسئولية بين يد الله في كل عمل، ثم بالولاء المستنير لشريعة الله والاهتداء بهدي النبوة في كل شأنٍِ من الشئون، كما يجب أن تحقق التربية العبادية فيما تحقق بطمأنينة القلب وراحة النفس وإشراق الروح في ظل العبودية لله.



ثالثًا: البدء بأداء الفرائض واجتناب المحرمات؛ أي الفرائض قبل النوافل سواء في العبادات أو في المعاملات أو الأخلاقيات أو في النشاط، فكلما أقدمت على عمل صالح (تلاوة قرآن- ذكر الله- صلاة نافلة- حج نافلة- صدقة نافلة) سَلْ نفسك: هل خلَّفتَ وراءك واجبًا مهملاً مثل الإحسان إلى والديك وأولادك وجيرانك وأهلك؟ بل كلما قمت بأداء فريضة تُرضي بها ربك وغمرك شعور بالرضا، اسأل نفسك: هل قصرت في فرائض أخرى عن غفلة أو من صعوبة وثقل؟



ابدأ بأداء العبادات، فهي حق الله عليك، ثم بواجبك نحو الوالدين ونحو أقرب الناس إليك من أهلٍ وأولادٍ وجيرانٍ وزملاء، ونحو أقرب الأشياء إليك أي مالك وعملك.



وهذا كله معنى من معاني الاستقامة، وغير ذلك يكون انحرافًا وضلالاً، إما عن جهل وإما عن هوى، ودواء الجهل العلم، والسنة هنا خير معلم؛ لذلك يجب الإكثار من القراءة في حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ودواء الهوى اليقظة ومحاسبة النفس واستماع النصيحة، بل وطلبها ثم الدعاء بضراعة إلى الله طلبًا للهداية والرشد.



إنَّ العبادة من صلاة وذكر وقيام وصيام يتضح فيها الجهد الفردي الخالص؛ أي الجهد من ناحية، والفردية من ناحية أخرى، فكل وسيلة لا يتحقق فيها هذان الشرطان فهي غير أصيلة يمكن أن تكون معينًا، ولكن لا تطغى على الأصيلة، وإذا كان لا بد من التعاون والنشاط في العبادة فليكن على صورتين:



الصورة الأولى: القيام بعملٍ واحٍد مشتركٍ مثل استماع إلى قرآن أو استماع إلى عظة.



والصورة الثانية: اللقاء للتعاون على نشاط فردي خالص فيكون لقاء في مسجد أو في بيت للتفرغ للعبادة ساعة، وكلٌّ يمارس ما يريد.. صلاة.. تلاوة قرآن.. محاسبة.. ذكر.



ويجب أن نحرص على تطبيق الصورتين؛ لأنَّ الأولى تفيد خاصة في الإنعاش العام، والثانية تفيد خاصة في البناء الذاتي للفرد، وكما يتضح من السنة الحث والتوجيه للنوافل يتضح كذلك الذاتية والتلقائية في التنفيذ كل بحسب طاقته وحماسته ورغبته واستعداده، ولذلك يتفاوت الصحابة في هذا المجال تفاوتًا كبيرًا، وإنما يتفاوتون ويلتقون على الاستقامة والبعد عن الحرام.



القرآن واعظ
القرآن دستورنا


القرآن واعظ.. لا مراسيمَ وأوراد شكلية ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ (القمر: 17)، إذن لا بد من التدبر والاتعاظ، لا بد من الانفعال الواعي لا بد من أثر نفسي وعملي؛ الأثر النفسي مشاعر طيبة واطمئنان قلبي.



والأثر العملي في السلوك، وصدق صحابة رسول الله فقد (تعلموا العلم والعمل معًا)، يجب أن يكون القرآن هو الموجه الأول، فهو مع المسلم حيثما ذهب بين دفتين أو في صدره أو في صدر غيره، يجب دوام التنبيه على ذلك، كما يجب التدريب على ذلك، ففي كل فرص القراءة سواء في الرحلة أو في الصلاة أو في المحاضرة لا بد من النظر فيما تلونا من آيات.. ماذا نأخذ منها لحياتنا الخاصة.



ثم ماذا نأخذ منها لإصلاح الدنيا، فالفرد- أنا وأنت- أصل هذه الدنيا وأساس هذا الإصلاح، لا بد من القراءة المتدبرة الواعظة، يجب أن تصبح هي عادتنا في القراءة وهي الطريقة الثابتة، الوحيدة، فحيثما قرأنا القرآن أو سمعناه في الصلاة.. في المصحف.. في الراديو.. في المسجد فلنتذكر أنه كلام الله ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ﴾ (الحشر: من الآية 21).



القرآن جامع لكل القوانين التي تحكم هذا الوجود، فكل شيء عند الله سبحانه بمقدار، وكل أمر يجري على سنةٍ وقانون- ومنها- الاستغفار فهو مفتاح أرزاق السماء المعنوية والمادية معًا.. قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)﴾ (نوح).



لقد أمسكت السماء، وأجدبت الأرض على عهد سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فخرج مع الناس ليستسقي لهم- أي يدعو لهم أن يمطرهم الله- فاستغفر عمر ربه، ثم عاد بالناس فقالوا له: ما نراك استسقيت لنا، قال: "لقد استسقيت لكم بمجاويع السماء"، قالوا: وما مجاويع السماء؟ قال: الاستغفار، ثم تلى الآية: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾، ثم قال: "وها قد استغفرت لكم، وسيرسل الله السماء عليكم بما شاء"، قالوا فما أتمَّ عمرُ كلامَه حتى اهتزَّ الأفقُ وبدأت الرياح تثور، وأقبلت السحب تترى، حتى انعقد في سماء المدينة ظلة من الغمام، وانجز الله موعوده.



عادات صالحة
اذكر الله في كل أحوالك


إنَّ زحمة الحياة سواء من مشاغل العمل المعاش أو من مشاغل العمل الدعوي قد تمتص حياةَ قلوبنا وعقولنا، ونصبح آلات تعمل في حدود ما رُسِمَ لها أو في حدود العمل اليومي الرتيب، وهكذا قد يهبط مستوى عبادتنا، وقد تذبل حتى تصبح هيكلاً جافًا، ركعات ننقرها نقرًا، وقد يهبط مستوى قراءتنا وقد تتلاشى أو لا تتعدى تصفح جريدة يومية أو مجلة أسبوعية، كما قد يهبط مستوى حركتنا فيصبح عملاً شكليًا أو تحركًا رتيبًا، وقد يصل الأمر إلى مجرد الانتساب الشريف وكفى، لهذا كله فلنعمد إلى تكوين عاداتٍ لنا صالحة تسهل علينا ممارسة أعمال نافعة رغم زحمة الحياة، ومن العادات الصاحة، تبكير ساعة لصلاة الجمعة ولنستحضر فيها فضل التكبير وفضل الصف الأول، ثم لنقمْ بمحاسبة النفس أو تلاوة القرآن أو بركعات مطمئنة أو ذكر الله من تسبيح وتكبير وحمد، أو بجلسة محاسبة يتخللها استغفار ملحاف أو صلاة على النبي يتخللها استعراض صور من حياةِ الرسول- صلى الله عليه وسلم مع تعهدٍ ذاتي بالاقتداء، وفي هذا بعض التعويض عن الغفلة أو الانشغال بسبب تزاحم الأعمال طول الأسبوع.



ومن العادات الصالحة أيضًا الاحتفاء بالصلاة المكتوبة، وذلك بأن تكون الصلاة مع الجماعة في المسجد مع إحسان ختامها والضراعة في الدعاء بعدها وأداء السنة الراتبة.



الأصل أن نأخذ مباشرةً من القرآن والسنة وعمل السلف الصالح عند ممارسة العبادات، وعند التعرف على الفصائل لاكتسابها والسنة هنا واضحة وضوحًا يكاد يستغني عن أي تعليق أو شرح، وهي كفيلة بالبعد عن الشطط وتربط بالحياة وفروضها وواجباتها.



والإخوان يؤمنون بوجوب العبادات القلبية كوجوب العبادات البدنية والظاهرة، وملاك العبادات القلبية الحب والخوف والرجاء، وهم يستشعرون هذه العبادات ويتذوقونها، وفيها تحلو العبادات وعند جفافها تصبح ميتة خالية من الروح، فهم يحبون الله تعالى ويتشوقون إلى لقائه، والقرب منه، ويبغون إليه الوسيلة، وهم يهتدون في حبهم لله تعالى بالقرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ﴾ (آل عمران: 31)، وهم يخافون الله، يخافونه ويستشعرون هذا الخوف، ويفرون منه إليه، وخوفهم لا ينقطع، ذلك من علامات الإيمان، متمثلين بقوله تعالى: ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾، ﴿فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾، ﴿فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.



وهم يرجون رحمة الله، ويسألونه تعالى أن يصرف عنهم عذاب القبر وعذاب النار، وأن يزحزحهم عنها إلى الجنة، ويحل عليهم رضوانه ويعوذون به من سخطه وغضبه، فهم كما قال تعالى: ﴿يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ (الإسراء: من الآية 57)، وليس الإيمان بالتمني، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل.. ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ﴾ (الأعراف: من الآية 56).



وهم في كل وقت يستشعرون هذه المعاني، وكلما كان في المسلم قسط أكبر من هذه المعاني كان أرجح وأثقل في ميزان الله تعالى.

--------------------

مقالات ممكن أن تعجبك :




من مواضيعى في فضائيات سبب نزول قوله تعالى: { أُذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا }
شبهة لغوية حول قوله تعالى: { حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم...}
المناسبة في قوله تعالى: { وإذا ضربتم في الأرض...}
شبهة لغوية حول قوله تعالى: { إن رحمت الله قريبٌ من المحسنين }
التوفيق بين آيتين: الحسنة من الله، والسيئة من نفسك
من أوجه المناسبة بين سورتي آل عمران وسورة النساء

العبادة في الإسلام.. آفاقها وأهدافها والغاية منها




الساعة معتمدة بتوقيت جرينتش +3 . الساعة الآن » 23:16.
Powered by vBulletin
.Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

تابعنا على الفيس بوك جديد مواضيع المنتدى تابعنا على تويتر
DMCA.com Protection Status