الإبداع الفضائي

الإبداع الفضائي (https://www.fadaeyat.co/)
-   شعر - خواطر - قصائد - حكم - اقوال - بوستات (https://www.fadaeyat.co/f219/)
-   -   ابداع شعر سودانى صرف روعة كلمات (https://www.fadaeyat.co/fadaeyat102213/)

*HOB* 4 ربيع الأول 1437هـ / 15-12-2015م 07:53

ابداع شعر سودانى صرف روعة كلمات
 
ابداع شعر سودانى صرف روعة كلماتثقافه عن الشعر والشعار السودانيخواطر شعر سوداني

https://www.fadaeyat.co/up/images/12...0503347957.jpg
اشعار ادريس جماع
غناء الفنان سيد خليفه
اولاً شاعر الاغنيه الراحل(ادريس جماع)


انت السماء بدت لنا
واستعصمت بالبعد عنا

هذا هو ادريس جماع الشاعر المرهف
ليس مثله بين شعراء جيله احد
ولد بحلفاية الملوك عام 1922م
التحق بمعهد المعلمين بمصر في العام 1946م
عاد الي ربوع الوطن في العام 1952م
وعمل معلماً في معهد التربية بشندي
ثم انتقل الي مدرسة الخرطوم بحري الثانوية

ارتبط شاعرنا بقصة حب تحاكي ما اطاحت بقيس بن الملوح
كان عاشقا بل كان متيما بحب جارته
احبها حبا ملك عليه فؤاده
وعندما عاد من مصر بعد ان اكمل دراسته
وجد أنها قد تزوجت بأحد أقربائها
فأصابه ما أصابه من هذه التجربة
والتى عاشها بكل إحساسه وجوارحه
وكانت تجربة قاسية بلا شك
شكلت منعطفاً مهماً بحياة الشاعر
وضح أثرها جليلاً في ابداعه

وهو القائل
إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه
ثم قالو لحفاة يوم ريح اجمعوه !!!
صعب الأمر عليهم ثم قالو اتركوه
ان من اشقاه ربي كيف انتم تسعدوه!!!

له ديوان شعر واحد بعنوان (لحظات باقية)

توفي الي رحمة مولاه في العام 1980م
عن عمر يناهز الــ 58 عامً
الا رحم الله الشاعر المعطون برونق الشعر الاصيل

ثانياً فنان الاغنيه الراحل(سيد خليفه)

هو علي محمد الامين وكما سمعت من الاستاذ القدير السر قدور ان لقب سيد خليفة اتي لانة سمي علي السيد علي (سيد) وكلمة خليفة نسبة لجدة الخليفة الامين(خليفة)ولد سيد خليفة بقرية الدبيبة شرق الخرطوم في عام 1931م حيث تلقى تعليمه الأولي بها وبمدينة العيلفون وأتى الى الخرطوم ثم سافر الى مصر عام 1951م والتحق بمعهد الموسيقى العالي واكمل دراسته عام 1958م وأصبح بعدها مطرباً دارساً للموسيقى لذلك ذاع صيته وطبقت شهرته الآفاق وعبره وصل صوت السودان الى كل الناطقين بالعربية عبر رائعته ازيكم كيفنكم والمامبو السوداني.

سيد والإطلالة:
* سيد خليفة يعتبر من جيل الرواد في الاغنية الحديثة وقابل في بداية ظهوره الاذاعة السودانية وقد باشرت العمل لأكثر من عشر سنوات فانطلق صوته العذب وبدأت مشاركاته في الحفلات الخاصة والعامة فعرف الناس نوعاً جديداً من الغناء والاداء الاوبرالي لم يكن معروفاً عند بقية المطربين منذ عهد الحقيبة حتى ظهور سيد خليفة الذي أصبح نجم الجماهير الأول.

سيد والجديد:
* غنى سيد خليفة المفردة الفصحى فكانت فتحاً جديداً للغناء السوداني عربياً.. والتفت حوله الطبقة المثقفة بجامعة الخرطوم والمعهد الفني وأصبح مطرب الطبقة الراقية عندما كانت الخرطوم تسهر ليلها طرباً وهي محلاة بلمبات الغاز حتى شاعت عبارة «الخرطوم بالليل» بمعنى ان الخرطوم ليلاً هالة من هالات الضوء الماسي الأخاذ..
وفي هذا الجو من الماء والخضرة ووجوه حسان السودان الجميلات حقاً مضى سيد خليفة يقدم فنه الجديد والذي تعلم أصوله في أرض الفن العربي مصر الكنانة فكان أول فنان سوداني مؤهل بدرجة جيد..

السفير المتجول:
في مصر قدم سيد خليفة نفسه من خلال ركن السودان المخصص له بالاذاعة المصرية فجمع حوله أبناء السودان بمصر واشادت بفنه أم كلثوم والموسيقار عبدالوهاب والعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ رقم صغر سنه آنذاك.
بنى سيد خليفة بمصر علاقات اجتماعية واسعة ومتينة فكان معيناً للبعثات الدبلوماسية السودانية المقيمة بمصر لأنه أول سفير للدبلوماسية الشعبية بلا مخصصات حيث ولج قلوب الملايين بمصر ومازال وسيظل مطرباً متفرداً خلال نصف قرن من الزمان منذ ظهوره وحتى رحيله المفجع.

أغنيات سيد خليفة:

* غنى أبوالسيد رحمه الله لعدد لا يستهان به من الشعراء الفحول وهو أول من نطق المفردة الفصحى بطلاقة وحببها للناس فكان زرياب زمانه.. جاء بـ «نانا» للدكتور علي شبيكة واختها «زهرة الليلاك» ثم ربيع الحب وغيرة للراحل المقيم ادريس جماع وانشودة الجن للتجاني يوسف بشير وسمبا والزول ده ثم داري عينيك للمسرحي الراحل اسماعيل خورشيد ثم غنى المنديل وأجمل زهرة لصاوي عبدالكافي وفتى الوادي لمصطفى سالم ورائعته ياوطني لابراهيم رجب وغنى سيد خليفة لعملاق شعراء الأغنية محمد يوسف موسى «صوت المساء» ثم غنى حنان يابانة لعبد المنعم عبدالحي وغنى للطبيب الذي يداوي القلوب الوحيدة الدكتور حسبو سليمان «ما كنت بفتكر الجميل» ثم ليل وكأس لحسين عثمان منصور و «أمل» لحسن أبوالعلاء وغنى لشاعر الحب والثورة مبارك المغربي «حيرة قلب».
بالبراءة حتى وافاه الأجل المحتوم في يوليو من عام 2001م
ويعتبر الفنان سيد خليفة من أعمدة الفن السوداني. واشتهر في منطقة القرن الأفريقي خاصة حيث أحب غناءه وردده الصوماليون والاثيوبيون والاريتريون، لكن المستمعين في العالم العربي يذكرون له اغنيتين اشتهرتا لخفة ايقاعهما والطربية العالية فيهما، وهما «المامبو السوداني» و«ازيكم كيف انكم أنا لي زمان ما شفتكم»، وهي اغنيات اداها في بداياته الفنية أواخر الخمسينات في القاهرة، التي وصل اليها لتلقي العلوم الدينية ليتحول مساره الى دراسة الموسيقى التي لم يكملها ايضا لانخراطه في عالم الفن والفنانين حيث برز نجمه كمطرب في الحفلات التي كانت تشهدها القاهرة في ذلك الوقت.

وآخر حفل عام غنى فيه كان ضمن منشط خيري في أبوظبي بفندق المريديان أواخر مايو الماضي لصالح جمعية المرأة السودانية في الإمارة حيث شدا أشهر أغانيه. وفي الحفل نفسه كرمته الجمعية الثقافية السودانية «اعترافا بدوره الفذ واضافاته الثرة في ميدان الغناء والتطريب»


وفاته:
توفي الفنان سيد خليفه في الثلاثـاء 11 ربيـع الثانـى 1422 هـ 3 يوليو 2001 في الاردن الذي كان يتلقى العلاج في احد مستشفياته.

وكان قد بلغ من العمر 68 سنة

(الاغنيه)
مناسبة الاغنيه :

كان شاعرنا مسافراً الى قاهرة المعز برفقة صديقه والذى كان عريساً ومعه عروسه مغادرين لقضاء شهر العسل بالقاهره وكقد كانت العروس جميله لدرجة انا شاعرنا لم يستطع تمالك نفسه واخذ ينظُر اليها وكما هو معروف عن الرجل السودانى غيرته الكبيره وحمشته فقد تعارك العريس مع شاعرنا واتهاوشوا وكانت هذه مناسبة الاغنيه

๑۩۞۩๑ غيره๑۩۞۩

على الجمال تغارُ مِنا ماذا علينا اذا نظرنا
هي نظرة تُنسي الوقار وتسعدُ الروح المعنى
دناي انت وفرحتي ومنى الفؤاد اذا تمنى
انت السماء بدت لنا واستعصمت بالبعد عنا
هلا رحمت متيما عصفت به الاشواق وهنا
وهفت به الذكرى فطاف مع الدُجى مغنى فمغنى
هزته منك محاسن غنى بها لما تغنى
يا شعلة طافت خواطرنا حواليها و طفنا
انست فيك قداسة ولمست اشراقا وفنا
ونظرت في عينيك افاقا واسرارا و مغنى
كلم عهودا في الصبا و اسأل عهودا كيف كنا
كم باللقا سمحت لنا كم بالطهارة ظللتنا
ذهب الصبا بعهوده ليت الطفولةعاودتنا



yahya1sat7.gif


ولى المســــاء

غناء الراحل سيد خليفه
اشعار الراحل التجانى يوسف بشير


ولى المساء ... ولى المساء ..
الواله .. المحزون فى جوف الضباب ..
وأنا أهيىء .. زينتى و أعد مفتخر الأثياب ..
آملا لقياك .. الحبيب ..
يصدنى زهو الشباب ..
أمسى مضى بين التحسر .. والحنين ..
و وسادتى بللتها بالدمع .. والدمع الثخين ..
مع تباشير الصباح .. وبسمه الفجر الأمين ..
غنيت مثل الطير فرحى .. فى رياض العاشقين ..
تسرى النسائم عذبة .. و أنا أهيم بلا مِلال ..
و تقودنى الآمال فى ..
دنيا المباهج والخيال ..
وهناك أرقد فى الرمال .. ولا أرى غير الرمال ..
غدا أذّوب مهجتى .. فى حر انباس الغرام ..
أرنو إليك .. وا لوعتى
ظمأة تؤجج فى ضراس ..
وابيت اعشق فى الدجى..
صوتا ينادى فى ملام ..
ابدا اعيش لحبه .. أنا غير احبابى حطام ..
غدا نكون كما نود ..
ونلتقى عند الغروب ..
غدا تعود مباهجى ..
و تزول عن نفسى الكروب ..
غدا حبيبى حتما يعود ..
غدا حبيبى حتما يؤوب ..

من هو التجانى يوسف بشير؟ (شاعر الاغنيه)

إذا كان الإبداع تحولاً جمالياً لا يتناهى، وسيرورة مستقلة عن الزمن والمكان، من حيث كونه جوهراً متعالياً يصدر عن الذات الإنسانية المبدعة. فإن البحث عن هذا المعنى لم يأخذ حظه كاملاً في الكتابات العربية النقدية، أي ذلك الجهد المعني باختبار القيم الجمالية والدلالية للنصوص الشعرية القديمة والحديثة. وإعادة قراءتها. ربما كان ذلك يعود في جزء منه إلى محايثة النظريات النقدية لمثالاتها في نصوص الحداثة الشعرية وبالتالي إعمال ما يشبه القطيعة مع نصوص تقدمت على ظهور النظرية - الموديل، الأمر الذي ينطوي على إهمال نصوص وتجارب شعرية مهمة تستحق القراءة الاستعادية. وبالرغم من أن ذلك الجهد الاستعادي للكتابة النقدية لا يحيل على التأويل الإنساني الذي يشتغل عليه النقد فحسب، بل يعزز الاختبار النقدي للنص والنظرية معاً، ومن مطارح ربما كانت نائية كلما كان النص موضع التأويل ينطوي على (مقاومة) جمالية للزمن، ويؤسس علاقة جدلية تستجيب لجدوى الاختبار النقدي في نفس الوقت الذي يتكشف فيه النص من تيماته ونظامه المحكم بفعل ذلك الاختبار. فإن ذلك يستصحب الكثير من التجريب الذي يفضي إلى استنتاج علاقات تماه مستترة لنصوص إبداعية من حساسيات ولغات مختلفة. وحين تتجاوز تلك الكتابات النقدية بعض التجارب الشعرية كالتي ذكرنا، بحسب تأويل يصنّف جوهر الشعر على اعتبار الشكل الفني، فهناك لا نقع على انحياز يجب وظيفة النقد فحسب، بل يفوّت الكثير من الإضاءات المتصلة بجوهر الإبداع باعتباره طاقة كامنة في تلك النصوص. ربما كان الشاعر السوداني الشاب التجاني يوسف بشير (1912 - 1937) الذي مات في الخامسة والعشرين من عمره. شاعراً أبدع تأويلاً خاصاً لقراءته. واشتغل على تجربته الشعرية بكتابة مغايرة قطّر فيها شعراً صافياً تتكشف فيه المعاني عن نسغ مركزي، كما لو كانت نصوصه نصاً واحداً. فالتجاني الذي ظل يمارس ضغطاً متواصلاً لمأزقه الوجودي في بيئة شديدة المحافظة، فجّر في الشعر تجربته بلعبة لغوية أبدعت جدلاً جمالياً (إن صح التعبير) صاغ فيه أسئلة الوجود والعدم دون أن يحيلنا إلي كد ذهني، بل انطوى على شفافية وتماسك نسخ المسافة الوهمية بينه وبين نصّه حتى قال في وقت مبكر ما يشبه الوصية، لمن يكتب عنه.

أنا إن مت فالتمسني في شعري

تجدني مدثّراً برقاعه


فهو لم يفارق الحياة إلا حينما فارق الشعر فراقاً مأساوياً كانت النهاية فيه تأويلاً مكثفاً للحياة والموت والحقيقة برؤية شعرية كشفت عن عالم شديد الحساسية. عالم مهجوس بسؤال فلسفي نظام لروحية إبداعه الخاص، الذي ينجذب دائماً من سطح النص إلى أعماق يتأمل فيها الحياة بأسئلة حارقة وغير نهائية فالشاعر (يفتح الكون بالقصيد)، كما يقول في إحدى قصائده، وربما لجهة هذه الرؤية الشعرية للعالم عجز عن استعادة فردوس اليقين الديني. فاستعاده في الفن، (بحسب محمد عبدالحي)، بعدما أذبله الشك.


أشكّ لا عن رضى مني ويقتلني

شكي ويذبل من وسواسه عودي


في نص التجاني استشراف قيامي للموت ظل يكتب عنه مونولوجا داخلياً متواصلاً قرّب إليه مسافة العدم حتى انطفأ في سديمها المطلق. لقد كانت لحظة الغياب عن هذا العالم هي لحظة احتراقه بالشعر، بل هي لحظة عبقرية بامتياز كان يقطّر فيها وجوده بالشعر جملة واحدة حتى قال عن هذا الشعر في لحظة نرجسية كاشفة عن هذا الغياب.


هو فني - إذا اكتهلتُ - وما

زال على ريّق الحداثة(1) فني


أي لقد كان (التجاني) يخطو بعيداً عن زمانه بهذا الشعر الذي قطرّه في أول الصبا وانطفأ به كيانه الغض عندما انفجر عليه بالرؤى القاتلة فهو فن ينطوي اكتماله على مأساة توازي حدود الشعر بنهاية الحياة. ذلك أن حياة الشاعر القصيرة كانت تجسيداً للأنا الشعرية التي فرضت وجوداً لا واعياً على نفسه. وهي حالة يستحيل فيها الشاعر ذاتاً مركزية في هذا العالم، عندما لا يستطيع الكف عن الاحساس بدهشة الأشياء المتجددة. ولذلك لا تنفذ الأحداث في شعره إلا بقناع شفيف يحيل على الرمز والإشارة التي تحيل على تأويل مطلق. فالزمن القصير الذي عاشه التجاني كان مضطرباً بالأحداث في السودان من مقاومة الاستعمار إلى ثورة اللواء الأبيض. وكان الشاعر وفق الرؤية التي يرى بها العالم، يشفّر في شعره كل هذه الأحداث دون أي إحالة مباشرة لها، فالثورة هي حركة الذات القلقة في مواجهة العالم وليست رصداً فوتغرافياً للأحداث. فحين يتحدث عن الثورة في قصيدته التي تحمل هذا الاسم ينسج على أسلوب يتخفف قدر الإمكان من الدلالات القريبة والجمل الموسيقية الجاهزة والشعارات.


نهلت من دمي الحوادث

واستروى يراعي مما يدفع دنّي


وإذا كانت غربة الشاعر في العالم هي التي تملي عليه هذا الإحساس العابر بالحياة (إلى غاية في ضمير العدم) كما يقول في قصائده، فإن هذا الإحساس هو الذي سمح لي باشتقاق الأسئلة الفلسفية من عالم مغلق حتى أن التعبير عنها يستحيل إلى دلالات عصية في امتناعها فهي لا تدل على سهولة معانيها بقدرما تشير إلى المعاناة والشك والحيرة العاجزة عن اختراق ذلك العالم. وتحيل إلى خيال خلاّق يعيد تدوير تلك الأسئلة التي خلقت مأزقه الفلسفي


حبك القضاءُ شباكه ورمى

للعقل منه بضيّق ضنّك

أنا من فوادح ما تجّرُ يدي

أبدا قنيصة ذلك الحْبك


فبين الاحساس العميق بأسرار هذا الكون والعجز المطلق عن فهم تلك الأسرار كانت الحقيقة قناع الموت، والحيرة شراك العدم، فيما يشبه لعبة المرايا، لقد كان الموت الفيزيائي هو شط الأسئلة المستعاض عنها باكتمال الشاعرية التي أضنت ذلك القلب بحثاً عنها في مطارح الكون


يصعّد بي خافقٌ في الفضاء

يسوق الصبا ويقود الهرم

جناحاه يخترقان الوجود

وعيناه تقتنصان العدم


إنه عالم (رامبو) حيث شرط الشعر: تقطير الحياة إلى حد العدم. والمقارنة هنا بين (التجاني) و(رامبو) تتجاوز التناص المعنوي، فنحن أمام (توارد مصائر) لا توارد خواطر، بحسب محمود درويش، فالموت المبكر لم يكن هو فقط ما يحيل إلى علاقة الشبه. بل أيضاً كيمياء الذات، والقلق الوجودي المتناهي إلى المطلق، والخروج عن نظام المجتمع إلى فوضى الشعر، فالتجاني أيضاً اتهم بالمروق والإلحاد.


كفر ابن يوسف من شقي واعتدى

وبغى ولست بعابئ أو آبه


وشقاء المعرفة، وصولاً إلى تناسخ لفظي حتى في اسمي ديوانيهما: فديوان (إشراقة) الوحيد الذي تركه (التجاني يوسف بشير) لم يختلف مع عنوان ديوان (إشراقات) الذي خلّفه (رامبو) إلا في صيغة المفرد والجمع. لقد رأى كل منهما العدم في مرايا الأسئلة المطالعة من جحيم العقل ولغز الوجود. لقد كان الموت عند التجاني هو نهاية الغموض الذي يفسر ذاته بذاته في المطلق، وينطوي عليها في ذات الوقت.


أهو الموت ذلك الأبد

المطوّيُ في نفسه على سيمائه


إن المعنى الذي يشد الروح إلى المطلق هو لحظات الكشف الشعري التي تخترق الوحي وتنوس حول سماء الأسئلة بين حدي الفصل والوصل في ذات الشاعر، أي ذلك البرزخ الذي يخلق (الوجود المغاير) كما يقول التجاني، لكنها لحظات خاطفة ينقطع فيها الوحي الشعري بسبب كثافة الطين الذي يعتلق الروح.


علقتني من ظلمة الطين ما

أقعدني عن رحابك البيضاء


فيضيق الشعر كلما أسرف الشاعر في رؤى الوجود المغاير ورأى نهاية البوح في حدود الحياة ومثلما توقف (رامبو) عند نص «كيمياء القصيدة» توقف التجاني بعد قصيدة «الصوفي المعذب»


رجع اللحن إلى أوتاره بعد قليل

واختفى بين حنايا المزهر الكل العليل


ونحن هنا لسنا في وارد تفصيل المقارنة النقدية بينهما، بالرغم من الاختبار العميق لكتابة الشعر باعتبارها تقطيراً للحياة، لا تعبيراً عنها فحسب، حيث تنزلق الحدود بين ذات الشاعر ونصّه، لدى كل منهما. فالتجاني الذي أثقلت عقله ثقافة مشرقية بحثاً عن المعاني حول حبائل الفلسفة وأقيسة المنطق، لجأ إلى التصوف الفلسفي (وحدة الوجود عند ابن عربي). يقول التجاني من قصيدة «الصوفي المعّذب»:


أنا وحدي كنت استجلي من العالم همسه

أسمع الخطرة في الذر واستبطن حسه

٭٭٭

رُب في الاشراقة الأولى على طينة آدم

أممٌ تذخر في الغيب وفي الطينة عالم


هكذا اشتق التجاني رؤيته الشعرية من ثقافة صوفية مشرقية قلقة هي نفس الثقافة التي هام في أقاليمها الشاعر الفرنسي (آرتور رامبو) من قبل وعانق بعدها الفناء المفزع. بيد أن تلك الرؤية الشعرية للعالم باعتباره نصاً مغلقاً، انطوت على مجاز خطير يحيل إلى حياة على حافة العدم. فالشعر حين يفسر العالم يقف بالشاعر على حدود الموت. ذلك أن شفافية الشعر لا تعين على كثافة العالم حين تخترق مجازه الهيولي. لقد كان العالم عند التجاني (صُورٌ مُصورةٌ على أعصابه)، كما يقول في إحدى قصائده، بينما كانت قصائده (قطرات) قطّر بها حياته الخاطفة وأودع فيها إبداعاً خالداً لا يكف عن مقاومة الزمن. حين وصف قصائده مفتتحاً ديوانه بقصيدة «قطرات»


قطراتٌ من التأمل حيرى

مطرقات، على الدجى مبراقه

ورهامٌ من روحي الهائمُ الو

لهان أمكنتُ في الزمان وثاقه


فهو أمكن وثاق شعره ضد الزمن الجاري ولهذا السبب عاش غربة موحشة في هذا العالم بكيان هش متوتر ازاء الآخرين


فما رأيت الوجوه ضاحكة

إلا تأولتها على سبب

وما رأيت الثغور باسمة

إلا حسبت الحساب للغضب


وإذا كان بإمكاننا اليوم أن نعيد قراءة (التجاني) فسنكتشف نبوءته الصادقة عن هذا الشعر وقد تحرر من مواضعات عصره وضغط الأنساق التعبيرية التي تجاوزها بغربة شديدة في ذلك الزمن، أي قبل سبعين عاماً، وأبدع نصاً مركب الدلالات بشاعرية متجاوزة. وهذا مما يحيل عليه التأويل النقدي لظاهرة الإبداع باعتباره طاقة كامنة في النصوص العظيمة. ويسمح لنا عبر القراءة الاستعادية باكتشاف تناسخ فريد بين (التجاني يوسف بشير)، والشاعر الفرنسي الكبير (آرتور رامبو) يتجاوز بكثير تلك المقارنة التقليدية التي سادت أوساط النقد الأدبي منتصف القرن الماضي بين التجاني والشاعر التونسي الشاب أبي القاسم الشابي. وهو ما كان قد سبق إليه الشاعر والناقد السوداني الكبير المرحوم د.محمد عبدالحي في كتابه النقدي الهام عن التجاني: (الرؤيا والكلمات) عندما قارن بين التجاني والشاعر الانجليزي (وورد زورث).

وإذا كانت (العيون نوافذ الروح) فإن (خوادع الآل) - الفلسفة - كانت تجرّ التجاني إلى متاهة العدم الذي ألهمه شعراً صافياً، بالرغم من محمولاته العميقة، حتى انجذب إليها من الوجود المغلق والمُلغز في الوقت نفسه..

ربما كان التجاني يوسف بشير هو الشاعر السوداني الوحيد الذي يذكر السودانيون مأساته بعطف نبيل شارف الشعور القومي، بالرغم من شعره العصيّ، بعد أن عاش حياة مضيّعة لفظته إلى الهوامش السفلى في مدينة (أم درمان) ليعمل في محطات الوقود بين الفقر والحرمان حتى فارق الحياة التي نذرها للشعر، فكان هو و(محمد المهدي المجذوب) أصفى شاعرين في السودان بحسب (الطيب صالح).

yahya1sat7.gif


خواطر شعر سوداني



الساعة الآن » 16:25.

Powered by vBulletin
.Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd