الإبداع الفضائي

الإبداع الفضائي (https://www.fadaeyat.co/)
-   شعر - خواطر - قصائد - حكم - اقوال - بوستات (https://www.fadaeyat.co/f219/)
-   -   بحث عن تعديل الدستور ، بحث عن من يملك سلطة تعديل الدستور فى مصر كامل (https://www.fadaeyat.co/fadaeyat93059/)

*HOB* 9 ربيع الثاني 1436هـ / 29-01-2015م 01:45

بحث عن تعديل الدستور ، بحث عن من يملك سلطة تعديل الدستور فى مصر كامل
 
تعديل الدستور‏.....‏ تعزيز للشرعية
دراسة قانونية لرئيس مجلس الشعب تطرح هذه الأسئلة‏:‏
‏*‏من يملك سلطة تعديل الدستور؟
‏*‏ماهي الأحكام التي تستعصي علي التعديل؟
‏*‏ماهي عناصر التوازن السياسي في الدستور المصري؟
‏*‏من يمارس الرقابة علي دستورية التعديلات الدستورية؟




يأتي التعديل الدستوري لتطوير الشرعية الدستورية القائمة لمواجهة بعض القضايا التي لم يعالجها الدستور القائم او لمواجهة عدم سلامة المعالجة في الدستور القائم في ضوء تطور الحياة السياسية التي تتطلب معالجة دستورية جديدة تحقق الاهداف العليا للوطن التي يعتبر بلوغها جزءا من المشروعية السياسية‏.‏

ويأتي التعديل لتحقيق التكيف مع ما تتطلبه المشروعية السياسية المعبرة عن الارادة العامة للشعب وعلي هذا النحو يهدف الاصلاح الدستوري من خلال تعديل الدستور الي حمايته وضمان استمرار مشروعيته السياسية ومن خلال تطويره حتي يتكيف مع الواقع السياسي لزمن تطبيقه‏.‏ حتي يتجنب الضعف السياسي الذي قد يحدث بسبب استحالة تطوير القواعد الدستورية‏,‏ وحتي يمكن استقرار الدستور‏,‏ واحترام حق الشعب في تحقيق آماله‏.‏

وخلال التعديل يتحقق تجديد حقيقي للحياة السياسية يخرجها من اية ازمة تتعلق بمستقبل المؤسسات الدستورية استنادا انه في نهاية التسعينات ادي التطور السريع للحالة السياسية في ايطاليا وماصاحبها من افتقاد ثقة الرأي العام في المؤسسات والطبقة الحاكمة ان زاد الاقتناع بحتمية اجراء تعديل دستوري يوقف تدهور الموقف السياسي‏.‏
وتتصف اجراءات تعديل الدستور بالتشدد علي نحو ما في عدد الدساتير الجامدة‏.‏

اختصاصات التعديل واسس التقييد‏:‏
تتولي هذا التعديل سلطة اخري غير السلطة التأسيسية الاصلية التي وضعت الدستور وهي سلطة سياسية تملك السيادة‏,‏ بل سلطة اخري متفرعة ومنبثقة عنها تحددها الدستور وتعمل في اطار حددته السلطة التأسيسية المنشئة‏,‏ من خلال قواعد الدستور لكي تخضع لها‏.‏ وتبدو دقة التعديل الدستوري في انه يلتزم باحترام الارادة السياسية للشعب بناء علي الوثيقة الدستورية‏.‏ الاصلية‏,‏ بينما يلتزم الدستور الجيد باحترام الارادة السياسية للشعب وحده‏.‏

وتتولي هذه السلطة في الدساتير الجامدة من خلال اجراءات تكفل اقرار مجموعة القواعد الدستورية وعلي هذا النحو يكتسب مبدأ الجمود الدستوري قيمة جوهرية لضمان عدم التضحية بجوهر القيم التي نص عليها الدستور‏.‏ وبعبارة اخري فان القواعد الاجرائية التي يلزم اتباعها لتعدل الدستور تصبح بمثابة قيود مطلقة علي التعديل للتحقق بطريقة متأنية من التكامل والتناسق بين سائر قواعد الدستور‏.‏ فالقواعد التي تكون ثمرة للتعديل مع القواعد التي لايمسها التعديل‏,‏ ليست الا تعبيرا عن ارادة ديمقراطية اصيلة لايجوز المساس بأي منها علي نحو يؤدي الي انهيار تماسك البناء الدستوري‏.‏ ولضمان التماسك فإن الدستور يتضمن صراحة او ضمنا قواعد دستورية عليا تسمي بالقواعد فوق الدستورية تمثل قيدا موضوعيا او اجرائيا علي السلطة المختصة بتعديل الدستور‏,‏ فلا يجوز لهذه السلطة ان تتخطاه والا اعتبر هذا التخطي انحرافا في استعمال السلطة‏.‏

وقد ساد الفقه الدستوري ان سلطة تعديل الدستور ليست مطلقة بل تتقيد بالاسس الدستورية التي وضعتها السلطة التأسيسية الاصلية المنشئة الدستور‏.‏ وقد اطلق علي هذه الاسس مسمي القواعد فوق الدستورية‏SupraConstitutionnelle‏ في اطار محاولة ضمان اكبر قدر ممكن من الحماية الدستورية للحقوق الاساسية والمحافظة علي بعض المباديء الاساسية التي ارتضتها الشعوب صاحب السيادة‏.‏ وهي نتيجة طبيعة للتلازم بين مدلول الدستور كنظام قانوني ومدلوله السياسي‏.‏ فالقواعد التي تقيد السلطة المختصة بالتعديل ترتبط بالوظيفة التي تمارسها هذه السلطة وبنطاق اختصاصها‏.‏ فتعتبر هذه القواعد قيودا موضوعية علي هذه السلطة لايجوز لها ان تتخطاها باعتبارها مفوضة من السلطة التأسيسية الاصلية‏.‏ مما يجعل القواعد فوق الدستورية اطارا للتفويض بتعديل الدستور‏.‏

ولايعني اصطلاح القواعد فوق الدستورية وجود قواعد دستورية خارج النظام الدستوري فما هي الا تعبير عن مباديء عليا في هذا النظام أتت بها السلطة التأسيسية الاصلية صراحة او ضمنا لتقييد السلطة النبثقة منها والتي فوضتها بتعديل الدستور عند الاقتضاء فهناك تدرج بين ارادة السلطة الاصلية وارادة ممثل هذه السلطة في التعديل‏,‏ فإرادة سلطة التعديل تخضع لارادة سلطة التأسيس الاصلية‏,‏ لان سلطة التعديل تمارس اختصاصها في نطاق الدستور بناء علي تفويض دستوري من السلطة الاصلية فتعديل الدستور لايعني كسر الوحدة التي يتمتع بها الدستور في مجموعه لانه لايتعادل مع وضع دستور جديد‏.‏

تطبيقا قرر المجلس الدستوري الفرنسي في قراره المسمي ماستريخت‏2‏ لسنة‏1992‏ ان السلطة المختصة بالتعديل لاتملك سلطة غير محدودة في اجراء هذا التعديل فهي لاتملك ان تخالف او تعدل العمل المنشيء للدستور‏.‏

ويكمن اساس هذا النهي في نظرية الدستور ذاتها التي تميز بين وضع دستور جديد او تعديله‏.‏

كما ذهبت المحكمة العليا في كندا الي ان هذا النوع من القواعد فوق الدستورية يشبه التربة الدستورية التي تزرع بداخلها الشجرة الدستورية فاذا حرمت هذه الشجرة من التربة الصالحة‏,‏ فان ذلك من شأنه ان يصيب الشجرة بأضرار جسيمة لاتستطيع الحياة معها‏.‏ ووفقا لهذا المنطق لايجوز تعديل القواعد الدستورية بما يخالف القواعد فوق الدستورية‏.‏ وعلة ذلك ان منطق الدولة القانونية يتوقف علي وجود نوع من المباديء ذات قيمة بالغة الاهمية ولايمكن التضحية بها لانها تتعلق بجوهر الدستور‏.‏ وهذه المباديء لاتستوحي من القانون الطبيعي او من منظومة القيم التي تعبر عنها‏,‏ وانما تستند الي المنطق الجوهري الذي تستخلص منه كل القواعد الدستورية الصريحة والضمنية‏,‏ والغايات التي تستهدف تحقيقها‏.‏ ويؤدي التضحية بهذه المباديء الي انقلاب علي النظام الدستوري واحلال نظام اخر بديل عنه‏.‏ ولهذا اعتبرت هذه المباديء بمثابة قيود لايمكن تجاوزها تتقيد بها السلطة المختصة بتعديل الدستور‏.‏ وقد وصفت المحكمة الدستورية العليا النمساوية هذه القواعد في حكم لها في عام‏1952‏ بأنها مباديء حاكمة للدستور‏.‏ ووصفتها المحكمة الدستورية الالمانية في سننة‏1993‏ بأنها نواة النظام ال
دستوري‏,‏ ووصفتها المحكمة الدستورية الايطالية في سنة‏1998‏ بأنها تنتمي الي جوهر القيم العليا التي يرتكز عليها الدستور‏.‏

وتستخلص هذه القواعد الدستورية المقيدة لسلطة تعديل الدستور اما صراحة من نصوص الدستور او ضمنا‏,‏ وتنتمي القيود علي سلطة التعديل بناء علي هذه القواعد اما الي طائفة الحقوق الاساسية او الي شكل النظام السياسي للدولة جمهوري او فيدرالي او مركزي او ديمقراطي‏,‏ برلماني‏,‏ او رئاسي او مابينهما او الي مباديء اخري اساسية مثل استقلال الدولة ووحدة اراضيها ومثال هذه القواعد في الدساتير المقارنة مايقرر مبدأ الشكل الجمهوري للدولة‏(‏ المادة‏20‏ من الدستور الالماني والمادة‏139‏ من الدستور الايطالي والمادة‏89/5‏ من الدستور الفرنسي والمادة‏288‏ ب من الدستور البرتغالي‏)‏ ومبدأ المساس بوحدة اراضي الدولة المادة‏89/4‏ من الدستور الفرنسيومبدأ الديمقراطية كما نص عليه الدستور ويعني السيادة للشعب ويمارسها بواسطة الانتخابات وبواسطة اجهزة خاصة مخولة للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية‏(‏ المادة‏20‏ من الدستور الالماني‏),‏ ومبدأ الانتخاب العام المباشر السري والدوري ومبدأ التمثيل النسبي ومبدأ التعددية في التعبير وفي التنظيم السياسي والحق في المعارضة الديمقراطية‏(‏ المادة‏288‏ من الدستور البرتغالي‏),‏ وكذلك مبدأ الفصل بين السلطات المادة‏20‏
من الدستور الالماني والمادة‏288‏ من الدستور البرتغالي ومبدأ وجود وحماية الحقوق الاساسية‏.‏

اعتبر البعض المباديء وضمان حمايتها في الدولة الدستورية عناصر جوهرية لايمكن تجاهلها‏,‏ علي اساس انه في الديمقراطية الليبرالية بطبيعتها لايمكن مراجعة اي نص يتعلق بحقوق الانسان والا ان كان ذلك انكارا لوجود الدستور‏.‏ وكذلك ايضا اعتبر النص علي مبدأ وجود محكمة دستورية‏(‏ المادة‏288‏ من الدستور البرتغالي‏)‏ من القواعد فوق الدستورية‏.‏

وقد استبعدت المادة‏110‏ من الدستور اليوناني‏,‏ امكان تعديل النصوص التي تحدد اساس وشكل النظام السياسي بأنه جمهورية برلمانية وكذلك بعض المباديء الاخري الواردة في المواد‏2/1‏ و‏4/4.1‏ و‏7/3.1‏ و‏13/26.1‏ ونصت الفقرة الخامسة من المادة‏89‏ من الدستور الفرنسي علي انه لايجوز ان يكون الشكل الجمهوري للحكومة موضوع تعدين‏.‏

وعن الدستور الروماني لسنة‏1999‏ في المادة‏148‏ منه بتحديد القواعد فوق الدستورية التي لايجوز ان تخضع للتعديل وهي مايتعلق بالوحدة الوطنية والاستقلال وعدم قابلية الدول للتجزئة وشكل الجهورية‏,‏ وسلامة اراضيها‏,‏ واستقلال القضاء‏,‏ والتعددية السياسية‏,‏ واللغة الرسمية‏,‏ والحقوق والحريات الاساسية وضماناتها‏.‏ وقد قضت المحكمة الدستورية الايطالية سنة‏1995‏ بأن مبدأ الديمقراطية التعددية هو مبدأ يتمتع بالسمو‏.‏ وتقديرا لاهمية القواعد التي تتمتع بالطابع فوق الدستوري اعتبر البعض عدم النص النص عليها في الدستور بمثابة مساس خطير بالطابع الدستوري للدولة‏.‏ وفي هذا السياق راي جانب من الفقه الايطالي انه يعتبر من المباديء العليا التي لايجوز المساس بها عن طريق التعديل الدستوري حرمة الحقق التي يتمتع بها الشخص‏,‏ والرقابة علي دستورية القوانين والمباديء التي تقوم عليها ديمقراطية الدولة مثال ذلك ما نص عليه الدستور الفرنسي من عدم امكان السير في اجراءات تعديل الدستور اذا كان هناك اعتداء علي سلامة اقليم الدولة المادة‏89‏ كما نص الدستور الاسباني علي عدم امكان الشروع في تعديل الدستور في اوقات الحرب او في حالة توافر الاستنفار العام وحالة
الطواريء وحالة الاحكام العرفي المادتان‏116‏ و‏169‏ وقد نص الدستور الاردني في الفقرة الثانية من المادة‏126‏ علي عدم جواز ادخال اي تعديل علي الدستور مدة قيام الوصاية بشأن حقوق الملك ووراثته كما نص الدستور التونسي في المادة‏72‏ علي الحق في تنقيح الدستور مالم يمس ذلك بالنظام الجمهوري للدولة‏.‏

وحدد الدستور الجزائري في المادة‏178‏ منه القواعد فوق الدستورية‏.‏ اي التي لايمكن ان يمسها التعديل في الطابع الجمهوري للدولة‏,‏ والنظام الديمقراطي القائم علي التعددية الحزبية والاسلام باعتباره دين الدولة واللغة العربية باعتبارها اللغة الوطنية والرسمية‏,‏ والحريات الاساسية وحقوق الانسان والمواطن وسلامة التراب الوطني ووحدته‏.‏

وتبدو الاهمية الدستورية للقواعد فوق الدستورية في انها تفيد السلطة المختصة بتعديل اذ تجعلها سلطة مقيدة فتكون القواعد فوق الدستورية قواعد عصية علي التعديل من الناحية الدستورية ولاتقبل التغيير الا بواسطة السلطة التأسيسية الاصلية المنشئة للدستور بوصفها سلطة تملك السيادة وقد يتم ذلك بواسطة عناصر غريبة علي النظام الدستوري لاتعترف بالدستور او بالقانون كما في حالة الانقضاض بالقوة علي النظام الدستوري من خلال الثورة او الانقلاب‏.‏

في مصر كان دستور‏1923‏ ينص في المادة‏156‏ منه علي ان الاحكام الخاصة بشكل الحكومة النيابي البرلماني وبنظام وراثة العرش بمباديء الحرية والمساواة التي يكفلها هذا الدستور لايمكن اقتراح تنقيحها وعلي الرغم من ان دستور‏1971‏ لم ينص صراحة في المادة‏189‏ منه علي وجود قواعد دستورية عليا لايجوز الاقتراب منها بالتعديل‏,‏ الا ان هذه القواعد يمكن استخلاصها من جوهر الدستور ذاته ومبادئه الحاكمة واهم هذه القواعد هو الشكل الجمهوري للدولة‏,‏ باعتباره انجاز حققته ثورة‏23‏ يولية سنة‏1952‏ واخذت به سائر الدساتير اللاحقة علي الثورة بعد اعلان الجمهورية في‏18‏ يونية سنة‏1953.‏

وقد تأكد هذا المعني في المادة الاولي من الدستور والمادة‏79‏ منه التي تنص علي ان يؤدي رئيس الجمهورية اليمين امام مجلس الشعب بل وصيغة اليمين التي يؤديها كل من رئيس الجمهورية طبقا للمادة‏179‏ المذكورة واعضاء الوزارة امام رئيس الجمهورية طبقا للمادة‏155‏ من الدستور وعضو مجلس الشعب امام المجلس طبقا للمادة‏90‏ من الدستور كلها تنص علي عبارة يحافظ مخلصا علي النظام الجمهوري مما يعني ان الولاء للنظام الجمهوري قاسم دستوري متشرك لكل من رئيس الدولة والسلطتين التنفيذية والتشريعية‏.‏

وبالاضافة الي ذلك فإن قانونين يكملان الدستور هما القانون رقم‏247‏ لسنة‏1956‏ الخاص بمحاكمة رئيس الجمهورية والقانون رقم‏79‏ لسنة‏1958‏ المتعلق بمحاكمة الوزراء يجعلان من الاخلال بالنظام الجمهوري سببا من اسباب الاتهام بالخيانة العظمي‏,‏ وهذان القانونان معمول بهما في ظل دستور‏1971‏ اذ لم يرد مايلغيهما او يعدلهما‏.‏

وكذلك ايضا مبدأ ديمقراطية نظام الحكم ومبدأ انتماء الشعب المصري للامة العربية المادة الاولي واعتبار الاسلام دين الدولة ولغتها الرسمية هي العربية‏,‏ ومباديء الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع المادة الثانية فهذه المباديء ليست الا نتيجة طبيعية للانتماء الي الامة العربية بثقافتها الاسلامية وهذا بالاضافة الي مبدأ التعددية الحزبية الذي يقوم عليه النظام السياسي المادة الخامسة‏.‏ وكذلك ايضا كافة الحريات والحقوق المنصوص عليها في الباب الرابع فكل هذه المباديء بالاضافة الي الرقابة علي دستورية القوانين التي تقتضيها دولة القانون‏,‏ تكون في مجموعها جوهر المشروعية السياسية التي يستند اليها الدستور وتعتبر من القواعد فوق الدستورية‏.‏

وقد نص دستور‏1971‏ كذلك علي قيد اجرائي يعتبر قاعدة دستورية عليا‏,‏ هو عدم جواز اعادة طلب تعديل مواد في الدستور رفض مجلس الشعب الموافقة عليها قبل مضي سنة علي هذا الرفض المادة‏189.‏

الرقابة الدستورية علي تعديل الدستور
وحول القيود الموضوعية الواردة علي السلطة المختصة بتعديل الدستور ثار البحث عن مدي خضوع اعمال هذه السلطة للرقابة الدستورية‏.‏

وقد اتجه القضاء الدستوري في الدول الاوروبية الي مراقبة مدي دستورية تعديل الدستور اذا خالف هذه القيود الموضوعية والمسماة بالقواعد فوق الدستورية‏.‏ فقضت المحكمة الدستورية الايطالية في‏29‏ ديسمبر سنة‏1988‏ بان الدستور الايطالي تضمن مباديء سامية لايمكن تغييرها او تعديلها في مضمونها الاساسي ولو بطريق قانون بتعديل الدستور او بطريق اي قانون دستوري‏.‏ ورددت المحكمة الدستورية الايطالية في هذا النطاق اكثرمن مرة بانها تستطيع ممارسة رقابتها علي دستورية النصوص الدستورية علي سبيل المثال‏:‏ القرار رقم‏38‏ في‏9‏ مارس سنة‏1957‏ والقرار رقم‏46‏ في‏2‏ يناير سنة‏1946‏ والقرار رقم‏30‏ في اول مارس سنة‏1971‏ والقرار رقم‏12‏ في‏2‏ فبراير سنة‏1972‏ والقرار رقم‏170‏ في‏8‏ يونية سنة‏1984‏ والقرار رقم‏26‏ في‏30‏ يناير سنة‏1985‏ والقرار رقم‏366‏ لسنة‏1991),‏ كما قضت المحكمة الدستورية الالمانية بان سلطة تعديل الدستور هي سلطة فرعية من السلطة التأسيسية الاصلية فتتقيد بالنصوص الاجرائية الجوهرية التي نص عليها الدستور وانها مسئولة عن مراقبة احترام هذه النصوص واكدت انه في امكانها التدخل لتقرير عدم صحة بعض التعديلات الدستورية‏.‏ وقضت بأنه تطبيقا
للمادة‏79/3‏ من الدستور الالماني بأن سلطة مراجعة الدستور لايمكنها المساس بالقيود الواردة في هذه المادة واكدت بأن القواعد الدستورية العليا تحكم النظام الدستوري بأسره‏,‏ وان السلطة المخولة بتعديل الدستور لايمكنها ان تفرض قيودا جديدة حتي لاتعدل من نطاق اختصاصها المفوض لها بحكم الدستور وقد فسرت ذلك كله المحكمة الدستورية الالمانية في قولها بان الدستور له وحدة داخلية وان كل معني اجراء لجزء فيه يرتبط بغيره من النصوص‏,‏ وان اخذ الدستور كوحدة واحدة يوضح ان بعض المباديء الاساسية فيه تخضع لها نصوص اخري من الدستور‏.‏ بالاضافة الي القيود الموضوعية التي تفرضها القواعد الدستورية العليا علي سلطة تعدي الدستور فان هذه القواعد قد تفرض قواعد اجرائية يتعين الالتزام بها‏.‏

وفي الهند حتي سنة‏1967‏ امتنعت المحكمة العليا اولا عن تقييد سلطة تعديل الدستور بأي قيد ثم قضت سنة‏1967‏ بأغلبية عشرة قضاة من اثني عشر قاضيا في قضية‏GalakNath.7StateofPundjab‏ بأن البرلمان لايمكنه المساس بالحقوق الاساسية المنصوص عليها في القسم الثالث من الدستور حتي ولو التجأ الي تعديل الدستور‏,‏ استنادا الي المادة‏13/2‏ من الدستور التي نصت عليه ان الدولة لايجوز لها ان تصدر قانونا يتجاوز الحقوق التي نص عليها هذا القسم‏,‏ وان اي قانون يأتي بالمخالفة لهذا النص يعتبر باطلا‏.‏ وقد اكدت المحكمة العليا هذا المبدأ مرة اخري سنة‏1973‏ في قضية‏Kasavenda‏ ولم تجز تعديل الدستور علي نحو يسمح بالمساس بحق الملكية بوصفه من الحقوق الاساسية في الدستور الهندي‏,‏ الا ان المحكمة لم توضح العناصر المميزة لهذه الحقوق‏.‏ وفي سنة‏1975‏ قضت المحكمة العليا الهندية في قضية‏IndiraGandhiV.rajnarain‏ عدم صحة تعديل دستوري اقره البرلمان بقصد تصحيح انتخابات كانت محل نزاع امام المحكمة‏.‏

واستندت المحكمة الهندية العليا في حكمها الي ان هذا التعديل يكون تعسفا صارخا في استخدام سلطة تعديل الدستور‏.‏ واستقرت المحكمة العليا الهندية علي هذا الاتجاه فأكدت علي سنة‏1980‏ في قضية‏MinervaMillsv.unionofindia‏ بمناسبة قضائيها بعد دستورية تعديل دستوري‏,‏ بأن البرلمان لايمكنه ان يمتلك لنفسه حق مخالفة الدستور او حق تدمير مكوناته الاساسية ولايمكنه ان ينتزع من المحاكم سلطة الرقابة علي دستورية التعديلات الدستورية لان هذه السلطة ـ في نظر المحكمة العليا الهندية ـ هي عنصر اساسي في دستور البلاد واذا لم يمكن مراقبة التعديلات الدستورية‏,‏ فان الحقوق الاساسية سوف تكون معرضة للخطر‏,‏ كما يتعرض الدستور لخطر تحوله الي مجرد اعلان نوايا‏.‏ لقد رأت المحكمة العليا الهندسة ان التعديلات الدستورية تهدف الي الانقضاض تماما علي التوازن الموجود في الدستور الهندي بين الحقوق الاساسية والمباديء الحاكمة للدولة‏,‏ وهو توازن يعتبر عنصرا اساسيا في هيكل الدستور الهندي‏,‏ كان يهدف الي استبدال النظام الديمقراطي بالنظام الشمولي‏.‏

وفي جنوب افريقيا اثيرت مسألة القواعد فوق الدستورية بمناسبة وضع الدستور وفقا للمباديء الدستورية الاربعة والثلاثين التي تضمنتها الاتفاقات المتعددة الاطراف في نهاية سياسة التمييز العنصي‏Aparhied.‏ فبعد وضع الدستور النهائي في‏8‏ مايو عام‏1996‏ طعن عند خضوعه لرقابة التصديق من المحكمة الدستورية العليا للتحقق من المحكمة الدستورية العليا لتحقق من مطابقته للمباديء الدستورية حكم بأن بعض نصوصه لاتتطابق معها مما ادي الي تعديل الدستور‏.‏ ولاشك ان الرقابة علي احترام المباديء السابقة علي الدستور والتي كلفت الهيئات المفوضة بوضع الدستور علي احترامها يثير مشكلة احترام السلطة التأسيسية الاصلية المنشئة للدستور لهذه المباديء‏.‏ وهوما يسري كذلك علي تعديل الدستور‏.‏

وخلافا للاتجاه السابق الذي اخذ بالرقابة الدستوية علي سلطة التعديل امتنع القضاء الدستوري في بعض الدول عن ممارسة هذه الرقابة الدستورية‏.‏

ففي فرنسا رفض المجلس الدستوري اجراء رقابة دستورية علي تعديل الدستور بغير الاجراءات المنصوص عليها في المادة‏89‏ منه والتي تحكم سلطة التعديل وقرر عدم اختصاصه بنظر مدي دستورية تعديل الدستور الذي يتم بواسطة الاستفتاء الشعبي طبقا للمادة‏11‏ من الدستور التي تبيح طرح بعض مشروعات القوانين علي الاستفتاء الشعبي‏.‏ وقد اسس المجلس الدستوري قراره علي اساس ان سلطته في الرقابة تقتصر علي مشروعات القوانين التي يقرها البرلمان وليس علي مشروعات القوانين التي يقرها الشعب لان هذه الاخيرة ليست الا تعبيرا مباشرا عن السيادة الوطنية ومع ذلك فقد طالب المجلس الدستوري ضمنا في قراره الصادر في‏2‏ سبتمبر سنة‏1992‏ المشرع بتعديل القانون بما يسمح بمراقبة سلطة التعديل وفقا للقواعد الدستورية التي تضع قيودا علي هذه السلطة‏.‏

وفي الولايات المتحدة الامريكية امتنعت المحكمة العليا الاتحادية ممارسة رقابتها الدستورية علي سلطة التعديل‏,‏ ورفضت القول بوجود قيود ضمنية علي تعديل الدستور الاتحادي‏,‏ وردت علي المنازعة في صحة التعديل الثامن عشر علي ان هذا التعديل جاء في حدود سلطة تعديل الدستور المنصوص عليها في المادة الخامسة من الدستور الامريكي‏.‏ واوضحت المحكمة العليا في حكم لاحق بأن اجراءات تعديل الدستور والتصديق عليها تخضع فقط لرقابة الكونجرس ومن ثم فإن الصحة الدستورية لبعض عناصر هذه الاجراءات لاتخضع للرقابة القضائية‏.‏

واكدت ان فاعلية التصديق علي التعديل المقترح الذي سبق رفضه من قبل هو مسألة سياسية تخضع لرقابة الكونجرس وحده وتخرج عن اختصاص المحكمة العليا وقد اثيرت بعد ذلك مسألة الرقابة علي دستورية تعديل الدستور في الولايات المتحدة الامريكية بمناسبة تعديل علي دستور علي ولاية ماساشوست خالف بعض القيود الموضوعية علي ممارسة المبادرة الشعبية بالتعديل‏.‏ وينص الدستور في هذه الولاية علي وجوب ان يتحقق النائب العام كشرط لقبول التعديل فاذا حصل التعديل المقترح علي موافقة النائب العام‏,‏ امكن الطعن عليه امام المحاكم‏.‏ وقد قضت المحكمة العليا في ماساشوست برفض اخضاع التعديل المقترح للاستفتاء الشعبي والذي كان ينص علي منع النقابات من تمويل الحملات الانتخابية والاحزاب السياسية‏,‏ وبني الرفض علي اساس مخالفة التعديل المقترح لحرية الصحافة وحرية الرأي وحرية الاجتماع‏.‏

وقد انتقد البعض هذا الاتجاه علي اساس ان المحاكم هي افضل مكان للرقابة علي اجراءات تعديل الدستور‏,‏ وبوجه عام‏,‏ فإن مبدأ وجود قواعد فوق الدستورية تقيد سلطة تعديل الدستور يخضع لجدل هام في الفقه الامريكي وقد ذهب البعض الي ان المحاكم ليست بالضرورة هي افضل مكان لتحديد دستورية التعديل‏.‏ واتجه البعض الآخر الي ان المحكمة يمكنها تقرير عدم صحة تعديل الدستور اذا وجدته مخالفا للدستور بأسره وليس لمخالفة جزء منه‏.‏

وفي مصر‏,‏ امتنعت المحكمة الدستورية العليا عن مراقبة دستورية التعديل الدستوري فقد قضت المحكمة الدستورية العليا في طعن بعدم دستورية التعديل الدستوري الذي طرأ علي المادة‏76‏ من الدستور‏,‏ بعدم اختصاصها تأسيسا علي انه فضلا عن ان هذا الطعن يخرج عن نطاق ماصرحت به محكمة الموضوع ـ فلا يجوز للمحكمة الدستورية العليا ان تتنصل من اختصاص نيط بها وفقا للدستور والقانون او كليهما‏,‏ وعليها كذلك الا تخوض في اختصاص ليس لها‏,‏ باعتبار ان مجاوزتها لولايتها او تنصلها منها امران ممتنعان دستوريا‏,‏ وانه وفقا للمادة‏175‏ من الدستور والمادة‏25‏ من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم‏48‏ لسنة‏1979,‏ منح كل من الدستور والقانون المحكمة الدستورية العليا اختصاصا منفردا بمراقبة مدي توافق القوانين واللوائح دون غيرها مع نصوص الدستور‏,‏ فإن قاله اخضاع الدستور لهذه الرقابة‏,‏ تكون مجاوزة حدود الولاية مفوضة لتخومها وعلي هذا الاساس تكون الرقابة الدستورية في مصر قاصرة علي التشريعات العادية واللوائح لان هذه الرقابة مقيدة بالاختصاص الممنوح للمحكمة الدستورية العليا وفقا للدستور والقانون‏.‏

وخلاصة القول‏,‏ فإن القواعد فوق الدستورية تعتبر بمثابة قيود دستورية موضوعية واجرائية علي سلطة تعديل الدستور‏.‏ فإن مارست المحكمة الدستورية رقابتها علي التعديل ـ اذا كان اختصاصها الذي حدده الدستور والقانون يسمح بذلك ـ فإن ذلك لايكون في مقام البحث في مدي وجود تدرج بين قواعد دستورية عادية وقواعد فوق الدستورية لان كل القواعد متساوية في القيمة الدستورية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من النظام الدستوري‏.‏ وانما يتميز القواعد فوق الدستورية بأنها قيود علي سلطة التعديل الدستوري‏,‏ بحكم ان هذه القواعد وضعتها السلطة التأسيسية الاصلية‏,‏ بخلاف القواعد الدستورية التي اوردها التعديل الدستوري‏,‏ فإنها صدرت من سلطة فرعية منبثقة من السلطة التأسيسية الاصلية وبناء علي تفويض منها فلا يجوز ان تخرج عن حدود هذا التفويض‏.‏

وعلي ذلك‏.‏ فإن التمييز بين القواعد فوق الدستورية والقواعد الدستورية الواردة في التعديل الدستوري يرجع الي التمييز بين السلطة التأسيسية الاصلية التي وضعت الدستور الاصلي والسلطة الفرعية المنبثقة عن السلطة الاصلية والتي حملت تفويضا منها بإمكان تعديل الدستور في حدود معينة‏.‏

وبمقتضي هذا التمييز فإن التفويض الذي منحته السلطة التأسيسية الاصلية يضع قيودا علي السلطة الفرعية المنبثقة يتمثل فيما سمي بالقواعد فوق الدستورية‏,‏ فإن تخطته كان التعديل باطلا بسبب الانحراف في استخدام سلطة التعديل‏.‏


الساعة الآن » 11:43.

Powered by vBulletin
.Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd