الإبداع الفضائي

الإبداع الفضائي (https://www.fadaeyat.co/)
-   معلومات عامة ، حدث في مثل هذا اليوم (https://www.fadaeyat.co/f4/)
-   -   التلصص والخصوصية وحدود اللعبة (https://www.fadaeyat.co/fadaeyat96654/)

*HOB* 18 ذو القعدة 1436هـ / 1-09-2015م 16:24

التلصص والخصوصية وحدود اللعبة
 
تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة الفيس بوك، لغاية معلنة وهو تمكين الأفراد من صيانة علاقاتهم في الحياة العامة، وبناء علاقات جديدة تنبني أساساً على الاهتمامات المشتركة بين الأفراد.
https://www.fadaeyat.co/up/images/877...3432361198.jpg

وفلسفة التواصل الاجتماعي قائمة على استغلال تكنولوجيا الانترنت لاختصار المسافة والوقت اللذين وقفتا دائماً حائلاً جعل الإنسان يرتبط بظروفه المكانية في تحديد شبكة علاقاته، وكانت هذه المحلية عاملاً محدداً في العلاقات بين البشر، وبحيث وقفت دون تحقيق الإثراء في شبكة العلاقات بما يعود على الفرد بجوانب تطور من ذاته وأفكاره ومعارفه، وفي النهاية فإن مواقع التواصل الاجتماعي يفترض أن تحقق تقارباً بين البشر على مختلف مواقعهم وخلفياتهم الثقافية وحتى لغاتهم، وأن تجعل الإنسان يطل على تجارب الآخرين، وهمومهم ومشاكلهم وطموحاتهم ومنجزاتهم بصورة متزامنة تجعله قريباً من حركة العالم من حوله، وتعطيه الفرصة لأخذ المبادرة وعدم البقاء منعزلاً عن سياقه.
عملياً، توجد غاية أخرى يحققها الفيس بوك والمواقع الشبيهة، وهو إشباع غريزة إنسانية غريبة يمكن تسميتها بالفضول، إلا أن ممارستها على مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تتخذ صفة التلصص، فالبعض يمارس ما هو أبعد من مجرد التواصل مع الأشخاص المعروفين لديه، أو الذين يشاركونه في أفكاره وهمومه وتطلعاته، ويمضي في سياحة مرهقة نفسياً ومعنوياً في تتبع الأشخاص الذين يعرفهم، وأحياناً كثيرة، لا يعرفهم، والتداخل في حياتهم وأنشطتهم، وهو بذلك، يؤدي إلى حد كبير بتسبب في أضرار شخصية كبيرة لنفسه، أما الحديث عن مشروعية ذلك فمسألة ملتبسة، فمن حيث المبدأ فإن الأشخاص الذين يتيحون فرصة التعرف على معلوماتهم والاطلاع على صورهم ومختلف تطورات حياتهم، يدركون أن ذلك سيكون معروضاً على العامة، ويمكنهم بالطبع أن يحددوا حلقات ضيقة من الأشخاص الذين يمتلكون هذه الصلاحية، ومع ذلك يتخيرون مخاطر أن ينكشفوا على الجميع وأن يشاركوا الجميع في وقائع حياتهم التفصيلية أحياناً على اعتبار إشباع رغبة في تحقيق الشهرة أو انتزاع الإعجاب الذي يسعون له في حياتهم، وكان سابقاً مسألة مكلفة تتطلب التميز في بعض الأمور أو قدراً معيناً من الموهبة، واليوم يمكن ببعض البهرجة المدروسة أن يشغلوا حيزاً من فضاءات الآخرين، وأن يجتذبوهم لمتابعتهم، وفي مرحلة ما، للتماهي معهم.
الضرر يحيق بشخصية المتلصص نفسه، فهو عادة يقع في المقارنات غير الموضوعية وغير المناسبة التي تفصل نمط حياته عن أنماط حياة الآخرين، ولا يدرك في كثير من الأحيان أن النمط الذي يضع نفسه في مقارنة معه هو نمط مفتعل ويفتقد للعفوية لدرجة التكلف، وبذلك، فإنه يضع نجاحاته الحقيقية في مقارنة مع شخصيات تقوم بصورة واعية أو غير واعية بتسويق نفسها لسبب أو لآخر، فالتلصص في النهاية عملية استنزافية للشخص الذي يقوم به، وربما ذلك يمثل العقوبة النفسية المعقولة للدخول في خصوصيات الآخرين، أو التشاغل بها، على الرغم من انتفاء المسؤولية القانونية.
قبل فترة كان من الشائع أن توجد إعلانات حول تطبيقات تتيح للشخص معرفة من يزورون صفحته على الفيس بوك، وكان كثيرون يهتمون بذلك ويحاولون البحث عنه، ولكن تطبيقاً مثل ذلك على الرغم من سهولة برمجته وتسويقه لن يكون خطوة يمكن أن يقوم بها الفيس بوك، ببساطة لأن التلصص هو أحد الأسباب التي تبقي المشتركين متعلقين بالموقع، ويجعلهم يضيعون كل ذلك الوقت متنقلين بين صفحاته، ولا يمكن للفيس بوك أن يضحي بمصدر مهم لدخله جراء التواجد والإعلانات المبنية على ذلك ليرضي فضول البعض، ورغبتهم في معرفة من يحاولون التلصص عليهم، والبعض يتمنى، وهذه مسألة إنسانية، أن يتلصص عليه البعض، وسيصاب بكثير من الرضا والسعادة في حال ثبتت لديه فكرة أن البعض، وربما أشخاص معينون، يتلصصون عليه، فالشخص المتلصص عليه أتاح هذه المعلومات وهو يدرك أن أحداً ما ربما يهتم ويقوم بالتلصص، والمشكلة إذا أتيحت له الفرصة ليعرف أن الأشخاص الذين يستهدف ضبطهم كمتلصصين غير مكترثين بالأصل بتحولات حياته.
التلصص إلى حد كبير مسألة مرفوضة أخلاقياً، والصراع مع نزعة التلصص في الشخص يتطلب حالة من الارتقاء الأخلاقي والصحة النفسية رفيعة المستوى، وربما هذه الأمور غير موجودة إلا في الكتب لغايات التعريف، إلا أن التلصص في موقع الفيس بوك يبدو جزءاً من اللعبة التي يدركها الجميع، ويصر الجميع على رفضها.


الساعة الآن » 23:41.

Powered by vBulletin
.Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd